التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2036 [ ص: 363 ] 61 - باب: بيع الغرر وحبل الحبلة

2143 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع حبل الحبلة ، وكان بيعا يتبايعه أهل الجاهلية ، كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة ، ثم تنتج التي في بطنها . [2256 ، 3843 - مسلم: 1514 - فتح: 4 \ 356] .


ذكر فيه حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع حبل الحبلة ، وكان بيعا يتبايعه أهل الجاهلية ، كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة ، ثم تنتج التي في بطنها .

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا ، وكأن البخاري فهم من بيع حبل الحبلة الغرر ، وهو في أفراد مسلم من حديث أبي هريرة : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحصاة ، وعن بيع الغرر . وأخرجه ابن حبان من حديث ابن عمر ، وأخرجه أحمد من حديث ابن مسعود . وفي الباب عن [ ص: 364 ] عمران بن حصين ، وابن عباس .

وجاء تفسير هذا الحديث كما ترى ، وإن لم يكن مرفوعا فهو من قول ابن عمر وحسبك ، وجعله الخطيب مدرجا من كلام نافع ، وبهذا التأويل قال مالك والشافعي ، وهو الأجل المجهول ، ولا خلاف بين العلماء أن المبيع إلى هذا لا يجوز .

وقال آخرون في تأويله : معناه : بيع ولد الجنين الذي في بطن الناقة .

وقال أبو عبيدة هو نتاج النتاج ، وبه قال أحمد وإسحاق ، وهو أيضا مجمع على بطلانه ; لأنه بيع غرر ومجهول ، وبيع ما لم يخلق .

و (حبل) بفتح الباء ، وغلط من سكنها ، وهو مختص بالآدميات إلا ما ورد في هذا الحديث ، قاله أبو عبيد وابن السكيت ، وفي "المحكم" :

[ ص: 365 ] كل ذات ظفر حبلى . ونقله الجوهري عن أبي زيد . وقال ابن دريد : يقال لكل أنثى من الإنس وغيرهم : حبلت . وكذا ذكره الهجري والأخفش في نوادرهما . وفي "الجامع" : امرأة حبلى ، وسنورة حبلى ، وحكاه في "الموعب" عن صاحب "العين" والكسائي .

وقوله : نتجا ، قال الجوهري : نتجت الناقة -ما لم يسم فاعله- تنتج نتاجا ، وقد نتجها أهلها نتجت إذا تولوا نتاجها ، بمنزلة القابلة للمرأة فهي منتوجة . وأنتجت الفرس إذا حان نتاجها . قال يعقوب : إذا استبان حملها ، وكذلك الناقة فهي نتوج ، ولا يقال : منتج . ورأيت الناقة على منتجها . أي : الوقت الذي تنتج فيه ، وهو مفعل بكسر العين ، ويقال للشاتين إذا كانتا سنا واحدة : هما نتيجة . وغنم فلان نتائج . أي : في سن واحدة . وحكى الأخفش : نتج وأنتج بمعنى .

وجاء في الحديث : فأنتج هذان وولد هذا . وقد أنكره بعضهم .

يعني : أن الصواب كونه ثلاثيا .

وأما الغرر فهو ما احتمل أمرين أغلبهما أخوفهما ، وأشار ابن بطال إلى أنه ما يجوز أن يوجد وألا يوجد ، كحبل الحبلة وشبهه ، وكل شيء لا يعلم المشتري هل يحصل أم لا فشراؤه غير جائز ، لأنه غرر ، وكل شيء حاصل للمشتري ، أو يعلم في الغالب أنه يحصل له فشراؤه جائز .

[ ص: 366 ] فالغرر الغالب مانع ، بخلاف اليسير ، وهو من أكل المال بالباطل .

قال ابن الأثير : هو ما كان على غير عهدة ولا ثقة ، ويدخل فيه البيوع التي لا يحيط بكنهها المتبايعان من كل مجهول . وزعم ابن حزم أن بيع ذلك من المغيبات وشبهها جائز ، ويتصرف المرء في ملكه بما شاء ، والتسليم ليس شرطا في صحة البيع ، وليس هذا بغرر ; لأنه بيع شيء قد صح في ملك بائعه وهو معلوم الصفة والقدر ، فعلى ذلك يباع ويملكه المشتري ملكا صحيحا ، فإن وجده وإلا اعتاض عنه آخر .

وما ذكره الطبري عن ابن عون ، عن ابن سيرين قال : لا أعلم ببيع الغرر بأسا . وذكر ابن المنذر عن ابن سيرين قال : لا بأس ببيع العبد الآبق إذا كان علمهما فيه واحدا . وحكي مثله عن شريح . وذكر عن ابن عمر أنه اشترى من بعض ولده بعيرا شاردا ، فليس بغرر للضابط السالف ، فإن قيل : يحتمل قول ابن سيرين أنه لا بأس ببيع الغرر إن سلم .

فالجواب : أن السلامة وإن كانت فإنما هي في المال ، كذا في ابن بطال ، قال : والمال لا يراعى في البيوع في الأكثر من مذاهب أهل العلم ، وإنما يراعى السلامة في حال عقد البيع . وقد ذكرنا أن الغرر هو ما يجوز أن يوجد وألا يوجد ، وهذا المعنى موجود في عقد الغرر وإن سلم ماله ، فلذلك لم يجز ، وقد يمكن أن يكون ابن سيرين ومن أجاز بيع الغرر لم يبلغهم النهي عن ذلك ، ولا حجة لأحد خالف السنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية