التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2038 2145 - حدثنا قتيبة ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا أيوب ، عن محمد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : نهي عن لبستين : أن يحتبي الرجل في الثوب الواحد ، ثم يرفعه على منكبه ، وعن بيعتين : اللماس ، والنباذ . [انظر : 368 - مسلم: 1511 - فتح: 4 \ 358]


ثم ساق حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المنابذة ، وهي : طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه ، ونهى عن الملامسة ، والملامسة : لمس الثوب لا ينظر إليه .

وحديث أبي هريرة قال : نهي عن لبستين : أن يحتبي الرجل في الثوب الواحد ، ثم يرفعه على منكبه ، وعن بيعتين : اللماس ، والنباذ .

الشرح :

تعليق أنس أسنده في باب بيع المخاضرة ، كما سيأتي ، وهو من أفراده . وحديث أبي سعيد وأبي هريرة أخرجهما مسلم ، وسلف الثاني [ ص: 368 ] في تفسير الاحتباء . وسعيد (خ . م . س) بن عفير هو ابن كثير بن عفير .

روى مسلم عن رجل عنه . وعامر بن سعد هو ابن أبي وقاص ، له أربعة عشر أخا وست عشرة أختا ، منهن عائشة .

والملامسة : أن يلمس ثوبا مطويا ثم يشتريه على ألا خيار له إذا رآه ، أو يقول : إذا لمسته فقد بعتكه ، أو يبيعه شيئا على أنه متى لمسه فقد لزم البيع وسقط الخيار .

ووجه البطلان في الأول أنه بيع غائب ، وفي الثاني : التعليق والعدول عن الصيغة الشرعية ، وفي الثالث : الشرط الفاسد ، وفيه احتمال تفريعا على صحة نفي خيار الرؤية ، وعلى التأويل الثاني له حكم المعاطاة .

والمنابذة : فسرها في الحديث كما سلف ، وهي مفاعلة من نبذه ينبذه إذا طرحه ، فيجعلان النبذ بيعا قائما مقام الصيغة ويجيء فيه خلاف المعاطاة ، فإن المنابذة مع قرينة البيع هي نفس المعاطاة . ولها تفسير ثان : وهو أن يقول : بعتك على أني إذا نبذته إليك لزم البيع . وثالث وهو أن المراد نبذ الحصاة ، والكل باطل .

وعبارة ابن حبان في "صحيحه" : المنابذة أن ينبذ المشتري ثوبا إلى البائع وينبذ البائع إلى المشتري ثوبا ، فيبيع أحدهما بالآخر على أنهما إذا وقفا بعد ذلك على الطول والعرض لا يكون لهما الخيار إلا ذلك النبذ فقط .

[ ص: 369 ] وظهر أن بيع الملامسة والمنابذة غير جائز ، وهو من بيع الغرر والقمار ; لأنه إذا لم يتأمل ما اشتراه ولا علم صفته فلا يدري حقيقته وهو من أكل المال بالباطل .

وقد سلف اختلاف العلماء في بيع الأعيان الغائبة . قال مالك : لا يجوز بيعها حتى يتواصفا ، فإن وجد على الصفة لزم المشتري ، ولا خيار له إذا رآه ، وإن كان على غيرها فله الخيار ، وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور ، وروي مثله عن محمد بن سيرين ، وحكاه ابن حزم عن أيوب والحارث العكلي والحكم وحماد .

وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري : يجوز بيع الغائب على الصفة وغير الصفة ، وللمشتري خيار الرؤية إن وجد على الصفة ، وروي مثله عن ابن عباس والشعبي والنخعي والحسن البصري ومكحول والأوزاعي وسفيان ، وللشافعي قولان : أحدهما كقول أبي حنيفة ، وأظهرهما المنع ، وهو قول الحكم وحماد فيما حكاه ابن بطال . واحتج الشافعي بأن مالكا لم يجز بيع الثوب المدرج في جرابه ، ولا الثوب المطوي في طيه حتى ينشرا وينظر إلى ما في جوفهما ، وذلك من الغرر ، وأجاز بيع الأعدال على الصفة والبرنامج ، فأجاز الغرر الكثير ومنع اليسير ، فيقال له : قد سئل مالك عن هذا فقال : فرق ما بين ذلك الأمر المعمول به وما مضى من عمل الماضين ، أن بيع البرنامج لم يزل من بيوع الناس الجائزة بينهم ، وأنه لا يراد به الغرر ولا يشبه الملامسة .

[ ص: 370 ] واحتج الكوفيون على الجواز بأنه - عليه السلام - نهى عن بيع الحب حتى يشتد ، فدل ذلك على إباحة بيعه بعدما يشتد وهو في سنبله ، لأنه لو لم يكن كذلك لقال : حتى يشتد ويزال من سنبله ، فلما جعل الغاية في البيع المنهي عنه هي شدته ويبوسته دل على أن البيع بعد ذلك بخلاف ما كان عليه في أول أمره ، ودل ذلك على جواز بيع ما لا يراه المتبايعان إذا كانا يرجعان منه إلى معلوم ، كما يرجع في الحنطة المبيعة المغيبة في السنبل إلى حنطة معلومة ، واحتجوا بأن الصحابة تبايعوا الأشياء الغائبة ، فباع عثمان من طلحة دارا بالكوفة بدار بالبصرة ، وباع عثمان من عبد الرحمن فرسا بأرض له ، وباع ابن عمر من عثمان مالا له بالوادي بمال له بخيبر ، وليس في الأحاديث عنهم صفة شيء من ذلك واحتج الأولون بأن تبايع الصحابة الأشياء الغائبة محمول إما على الصفة ، أو على خيار الرؤية ، وفي الخبر أن عثمان قيل له : غبنت ، قال : لا أبالي لي الخيار إذا رأيت ، فترافعا إلى جبير بن مطعم ، فقضى بالبيع وجعل الخيار لعثمان ، لأجل الغبن .

وقد صحت الأخبار بنهيه عن الملامسة والمنابذة وشبههما أن المبيع كان يدخل في ملك المبتاع قبل تأمله إياه ووقوفه على صفته ، وكل ما اشتري كذلك من غير رؤية ولا صفة فحكمه حكم بيع الملامسة [ ص: 371 ] والمنابذة ، ومن منع البيع على صفة والبرنامج ; لأنه من بيوع الغرر ، فقد يجاب بأن الصفة تقوم مقام المعاينة ، لأن العلم يقع بحاسة السمع والشم والذوق كما يقع بحاسة العين ، وقد أجاز الجميع بيع المصبر ، والجوز في قشرته ، والحب في سنبله ، للحاجة في ذلك ، ولأن القصد لم يكن إلى الغرر ; فلذلك يجوز بيع الأعيان على الصفة والبرنامج ; لضرورة الناس إلى البيع ; لأنهم لو منعوا منه منعوا من وجه يرتفقون به من فتح الأعدال ونشرها ، لمشقة ذلك عليهم ، فلأنه قد لا يشتريها من يراها فجاز بيعها على الصفة ، لأنها تقوم مقام العيان كما في السلم ، وجواز بيعه لجواز بيع العين ، وليس الأعدال كالثوب الواحد المطوي أو الثوبين ; لأن نشرهما وطيهما لا مؤنة فيه ولا ضرر ، وقد قال - عليه السلام - : "لا تصف المرأة المرأة لزوجها كأنه ينظر إليها" فأقام الصفة مقام الرؤية .

التالي السابق


الخدمات العلمية