التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2044 [ ص: 376 ] 65 - باب: إن شاء رد المصراة وفي حلبتها صاع من تمر

2151 - حدثنا محمد بن عمرو ، حدثنا المكي ، أخبرنا ابن جريج قال : أخبرني زياد ، أن ثابتا -مولى عبد الرحمن بن زيد- أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من اشترى غنما مصراة فاحتلبها ، فإن رضيها أمسكها ، وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر" . [انظر : 2140 - مسلم: 1413 و 1515 ومسلم 1520 و 1524 - فتح: 4 \ 368]


ثم ساق من حديث أبي هريرة : "من اشترى غنما مصراة فاحتلبها ، فإن رضيها أمسكها ، وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر" .

الشرح : حديث أبي هريرة من طرقه أخرجه مسلم ، ولما ذكر ابن حزم من رواه عن الأعرج ومن رواه عن أبي هريرة قال : هؤلاء الأئمة الثقات الأثبات رواه عنهم من لا يحصيهم إلا الله ، فصار نقل كافة وتواتر لا يرده إلا محروم غير موفق .

وحديث ابن مسعود من أفراد البخاري .

والوليد (د . ت . ق) بن رباح دوسي مولى ابن أبي ذباب لم يخرجا له ، إنما أخرج له أصحاب السنن ، خلا النسائي ، وهو صدوق .

وموسى (م . د . ق . س) بن يسار روى له الجماعة إلا البخاري .

كذا بخط الدمياطي ، ولم يعلم له المزي علامة الترمذي .

[ ص: 377 ] وثقه ابن معين .

وشيخ البخاري في الحديث في باب : إن شاء رد المصراة ، محمد بن عمرو ، وهو البلخي السواق ، روى له مع البخاري الترمذي ، مات سنة ست وثلاثين ومائتين ، وشيخ شيخه مكي ، وهو ابن إبراهيم الحنظلي البلخي الحافظ ، روى عنه البخاري ، والجماعة بواسطة ، قال عبد الصمد بن الفضل : سمعته يقول : حججت ستين حجة وتزوجت ستين امرأة ، وكتبت عن سبعة عشر تابعيا . مات سنة خمس عشرة ومائتين ببلخ وقد قارب المائة .

وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، وزياد هو ابن سعد البلخي .

والتعليق عن أبي صالح أخرجه مسلم من حديث سهيل ولده عنه ، وكذا أخرج تعليق موسى بن يسار من حديث داود بن قيس عنه به .

وتعليق مجاهد قال البزار : حدثنا محمد بن موسى القطان ، ثنا عمران بن أبان ، ثنا محمد بن مسلم ، عن ابن أبي نجيح ، عنه ، عن أبي هريرة مرفوعا : "من ابتاع مصراة فله أن يردها وصاعا من طعام" .

ثم قال : وهذا الحديث لا نعلم رواه عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد

[ ص: 378 ] إلا محمد بن مسلم ، ورواه عن محمد عمران وأبو حذيفة .

وما ذكره عن ابن سيرين : "صاعا من طعام" . أخرجه مسلم من حديث قرة عنه به ، وفيه : "وهو بالخيار ثلاثة أيام" . وفيه : "صاعا من طعام لا سمراء" .

قال البيهقي : المراد بالطعام هنا التمر لقوله : "لا سمراء" ، وكذا رواه عوف عن الحسن مرسلا وفيه : "إناء من طعام ، أو يأخذها" قال : ورواه إسماعيل بن مسلم ، عن الحسن ، عن أنس مرفوعا ، وفيه "وصاعا من تمر" وفي حديث عوف ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة : "هو بالخيار ، إن شاء ردها وإناء من طعام" .

وما ذكره البخاري ، عن ابن سيرين ثانيا أخرجه مسلم أيضا من حديث أيوب عنه ، فذكره .

وادعى الداودي أن قول ابن سيرين ليس بمحفوظ .

ورواه البيهقي من طريق يزيد بن هارون ، ثنا هشام بن حسان ، عن ابن سيرين : "من اشترى مصراة فردها ، فليرد معها صاعا من تمر لا سمراء" .

[ ص: 379 ] ورواه ابن ماجه من حديث هشام عنه ، وفيه "وهو بالخيار ثلاثة أيام" وقال : "صاعا من تمر لا سمراء" يعني : الحنطة .

قال الإسماعيلي : حديث ابن مسعود هو من قوله ، وقد رفعه أبو خالد الأحمر ، عن التيمي ، ورواه ابن المبارك ويحيى بن سعيد وجرير وغيرهم موقوفا عليه ، ثم أسند من حديث أبي عثمان ، عن عبد الله قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من اشترى شاة محفلة فردها ، فليرد معها صاعا من تمر" . وفي ابن ماجه من حديث جابر ، عن أبي الضحى ، عن مسروق عنه أنه قال : أشهد على الصادق المصدوق أنه قال : "بيع المحفلات خلابة ، ولا تحل الخلابة لمسلم" قال البزار : ولا نعلمه يروى عن أبي الضحى إلا من حديث جابر الجعفي .

[ ص: 380 ] وفي الباب غير حديث أبي هريرة وابن مسعود ، ابن عمر أخرجه ابن ماجه ، وابن عباس أخرجه ابن أبي شيبة ، ورجل من الصحابة [ ص: 381 ] أخرجه البيهقي ، وفيه : "صاعا من طعام ، أو صاعا من تمر" قال البيهقي : يحتمل أن يكون هذا الشك من بعض الرواة ، لا أنه على وجه التخيير ، ليكون موافقا للأحاديث الثابتة في هذا الباب .

إذا تقرر ذلك فالكلام على المصراة من أوجه :

أحدها : المحفلة : هي المصراة ، مأخوذ من حفل الناس ، أي واحتفلوا إذا اجتمعوا وكثروا ، وكل شيء كثرته فقد حفلته ، وما كانت التصرية في الإبل والبقر والغنم وما في معناها يؤخر صاحبها حلبهاحتى يجتمع لبنها في ضرعها ، فإذا رآها من يطلبها يحسبها غزيرة اللبن فيزيد في ثمنها ، ثم يظهر له بعد ذلك نقص لبنها عن أيام تحفلها . وذكر ابن سيده مادة حفل ، وأنها للاجتماع .

وقوله : (وحقن فيه) أي : حبس ، وتفسيره في المصراة أنه من صريت صحيح ، وليس هو من الصرار ، إذ لو كان منه كانت مصرورة .

ووقع في "غريب البخاري" للقزاز قال : صرت الناقة ، وأصرت . قال ابن التين : وأراه وهلا من الكاتب ; لأنه قال : تقول : تصريت الماء تصرية إذا جمعته ، فدل على وهله .

قلت : قال ابن سيده : صريت الناقة ، وصرت وأصرت : تحفل لبنها في ضرعها ، وصريت الناقة وغيرها من ذوات اللبن ، وصريتها وأصريتها : حفلتها . وناقة صرياء : محفلة ، وجمعها : صرايا ، على غير قياس .

[ ص: 382 ] ثانيها : الأفصح : (لا تصروا) بضم أوله على مثال : لا تزكوا ، وما بعده منصوب على أنه مفعول ، وروي رفعه ، وروي بفتح أوله من الصر وأصله : تصريوا ، فاستثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى ما قبلها ، لأن واو الجمع لا يكون ما قبلها إلا مضموما ، فانقلبت الياء واوا واجتمع ساكنان ، حذفت الأولى وبقيت واو الجمع .

ويحتمل أن يكون أصلها مصررة أبدلت إحدى الرائين كقوله تعالى : من دساها [الشمس : 10] أي : دسسها ، كرهوا اجتماع ثلاثة أحرف من جنس ، ويحتمل أن يكون أصلها مصرورة ، فأبدل من إحدى الرائيين ياء ، وغلط أبو علي البغدادي فذكره في باب الثنائي المضعف ، وكلهم ذكرها في الثلاثي المعتل اللام .

[ ص: 383 ] ثالثها : معنى التصرية : الجمع كما سلف ، نهي عن جمع اللبن في ضرعها عند إرادة بيعها حتى يعظم ضرعها ، فيظن المشتري أن كثرة لبنها عادة مستمرة .

وعبارة الشافعي أنه ربط أخلافها اليومين والثلاثة لجمع لبنها -وهو صواب- وهي حرام : لما فيها من الغش .

رابعها : هذا الحديث أصل في الرد بالغش والتدليس ، وقد سلف من حديث ابن مسعود أنه خلابة ، ولا تحل خلابة مسلم ، ولا تختص بالنعم على الأصح عندنا ، بل تعم كل مأكول والجارية والإنسان ، نعم لا يرد مع الجارية والإنسان شيئا ، وقد جاء في أبي داود : "من باع محفلة فالبيع صحيح ، وللمشتري الخيار" . والأصح أنه على الفور كالرد بالعيب .

وفي قول : يمتد ثلاثة أيام . وهذا مختاري ، لحديث أبي هريرة في مسلم "فهو بالخيار ثلاثة أيام" وإذا ردها بعد تلف اللبن رد معها صاع تمر ، سواء اشتراها به أم لا ، لحديث الباب ، وهو الأظهر عند الشافعي ، وبه قال مالك في رواية ، والليث وابن أبي ليلى وأبو يوسف وأبو ثور وفقهاء الآثار .

والواجب : التمر الوسط من تمر البلد ، كما حكاه أحمد بن بشرى المصري عن النص ، وقيل : يكفي صاع قوت ; لأنه ورد في أبي داود : القمح ، وليس إسناده بذاك .

[ ص: 384 ] وعن مالك أنه إذا كان في موضع لا تمر فيه فصاع حنطة ، وعنه : يرد مكيله ما خلف من اللبن تمرا أو قيمته .

خامسها : قال بحديث المصراة جمهور العلماء منهم ابن أبي ليلى ومالك والليث وأبو يوسف والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور ، وخالف أبو حنيفة ، وطائفة من أهل العراق ، وبعض المالكية ، ومالك في رواية عنه غريبة ، وابن أبي ليلى في رواية ، فقالوا : يردها ولا يرد معها صاعا من تمر ، قالوا وهذا الحديث مخالف للأصول المعلومة من وجوه ثمانية . وقد ذكرتها مع جوابها في "شرح العمدة" ، فليراجع منه ، وذكرت فيه حكايته صحيحة بإسنادي تتعلق به ، بل قال أبو حنيفة [ ص: 385 ] ومحمد : التصرية عيب ، ولا يرد به . وحكي عن أبي حنيفة أنه يرجع بأرش التصرية ، قالوا : ويعارضه حديث الخراج بالضمان ، ووجهه أن مشتري المصراة ضامن لها لو هلكت عنده واللبن عليه ، فلا يكون له ، وأين هذا من قوة ذاك ؟ ثم هذا عام وحديث المصراة خاص ، ولا يعترض على السنة بالمعقولات .

قال مالك فيما نقله عنه ابن عبد البر : أولأحد في هذا الحديث رأي ؟ قال ابن القاسم : وأنا آخذ به ، إلا أن مالكا قال لي : أرى أهل البلد إذا نزل بهم هذا أن يعطوا الصالح من عيشهم ، قال : وأهل مصر عيشهم الحنطة .

وروي عنه أنه قال : أولأحد في هذا الحديث رأي ؟

وعنه أنه لما سئل عنه قرأ : فليحذر الذين الآية . [النور : 63] وزعم أبو حنيفة أنه كان قبل تحريم الربا ، وروى أشهب نحوه عن مالك ، وأن ذلك كان حين كانت العقوبة بالمال ، وهو واه ; لأنه إثبات نسخ بالاحتمال ، وهو غير سائغ .

وقيل : نسخه حديث الخراج بالضمان والكالئ بالكالئ .

ومنهم من حمله على ما إذا اشترط ذلك وليس بشيء ، ومنهم من ادعى نسخه بقوله تعالى : وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به [النحل : 126] ولم يجعلوا حديث المصراة أصلا يقيسون عليه ولد [ ص: 386 ] الجارية إذا ولدت عند المشتري ثم ردت بالعيب . فالشافعي : يحبس الولد ، ومالك يخالفه ، ووافقه ابن القاسم ، وخالفه أشهب ، ومن جملة ما ردوا به الحديث اضطرابه ، حيث قال مرة : "صاعا من تمر" ومرة قال : "من طعام" . ومرة قال : "مثل -أو مثلي- لبنها قمحا" .

وجوابه : أن الأخبار كلها متفقة على إثبات الخيار ، ومنهم من قال : إنه مخالف لقوله تعالى : فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم [البقرة : 194] فإذن يعل الحديث بذلك .

وقال محمد بن شجاع فيما نقله الطحاوي : نسخه حديث : "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" .

فلما قطع بالفرقة الخيار ثبت بذلك أن لا خيار لأحد بعد هذا ، إلا ما استثناه الشارع في قوله : "إلا بيع الخيار" ثم أفسده الطحاوي بأن الخيار المجعول في المصراة خيار عيب ، وخيار العيب لا تقطعه الفرقة ، وهو كما قال ابن حزم : صح عن ابن مسعود : "من اشترى محفلة فليرد معها صاعا من تمر" وصح أيضا عن أبي هريرة من فتياه ، ولا مخالف لهما من الصحابة في ذلك ، وعن زفر : يردها وصاعا من تمر أو شعير أو نصف صاع من بر . وقال ابن أبي ليلى في أحد قوليه ، وأبو يوسف : يردها وقيمة صاع من تمر . وقال [ ص: 387 ] أبو حنيفة ومحمد : إن كان اللبن حاضرا لم يتغير ردها ورد اللبن ، ولا يرد معها صاع تمر ولا شيئا ، وإن كان قد أكله لم يكن له ردها ، لكن يرجع بقيمة العيب فقط .

وعن داود : لا يثبت الخيار بتصرية البقر ; لأنها ليست مذكورة في الحديث .

قلت : فيه : "من باع محفلة" كما تقدم ، وهو أعم .

وعند المالكية : لو رد عين اللبن لم يصح ولو اتفقا ; لأنه بيع الطعام قبل قبضه .

وقال سحنون : إقاله ، فإن تعذرت ففي الاكتفاء بصاع قولان عندهم ، ولو ردت بعيب غيره ففي الصالح قولان لهم .

ونقل ابن عبد البر عن مذهب الشافعي وأحمد تعدد الصالح في الأولى .

تنبيهات :

أحدها : أكثر أصحاب مالك أن التصرية عيب خلافا لبعض متأخريهم ، ذكره ابن التين .

ثانيها : في الحديث أربعة أدلة للجمهور نهيه - عليه السلام - عنها ، وهي عيب ، وجعل الخيار لمبتاعها ، وإيجابه الصالح من التمر ، وعندهم لا يجب ، وأن اللبن له قسط من الثمن .

ثالثها : في "المدونة" أنه إذا حلبها ثالثة ، فإن كان ما تقدم اختيارا فهو رضا ، وقال مالك : له ذلك . وقال محمد : يلزمه . وقال عيسى :

[ ص: 388 ] يحلف في الثالثة ما كان رضي بها .

رابعها : انفرد أحمد بقوله : إذا حلبها له الأرش ولا رد ، فخالف النص ، وانفرد ابن أبي ليلى وأبو يوسف فقالا : يرد قيمة ما حلب من اللبن .

خامسها : في الحديث أن بيع شاة لبون بمثلها غير جائز ; لأن اللبن يأخذ قسطا من الثمن ، قاله الخطابي .

التالي السابق


الخدمات العلمية