التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2046 2153 - 2154 - حدثنا إسماعيل قال : حدثني مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي هريرة ، وزيد بن خالد رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال : " إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير" . قال ابن شهاب : لا أدري بعد الثالثة ، أو الرابعة . [2232 و 2233 و 2555 و 2556 و 6837 و 6738 - مسلم: 1704 - فتح: 4 \ 369]


وعن سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعا : "إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها ولا يثرب ، ثم إن زنت فليجلدها ولا يثرب ، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر" .

وعنه وزيد بن خالد أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ، قال : "إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير" . قال ابن شهاب : لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة .

الحديثان في "الصحيح" .

[ ص: 390 ] وفي رواية أيوب بن موسى : "فليجلدها الحد" .

قال ابن عبد البر : لا نعلم أحدا ذكر فيه الحد غيره .

وقال الدارقطني : رواه ابن جريج وعدد جماعة ، فقالوا : عن سعيد ، عن أبي هريرة ، لم يذكروا أبا سعيد .

وفي مسلم كذلك وذكره البخاري في كتاب المحاربين متابعة من جهة إسماعيل ابن أمية .

قال الدارقطني : والمحفوظ حديث الليث يعني عن سعيد عن أبيه في الكتاب .

وقوله : (ولم تحصن) : قال الطحاوي : لم يقل هذه اللفظة غير مالك عن الزهري .

قال ابن عبد البر : رواها ابن عيينة ويحيى بن سعيد عن ابن شهاب ، كما رواه مالك . قال : وتابع مالكا على هذا السند يونس بن يزيد ويحيى بن سعيد ، ورواه عقيل والزبيدي وابن أخي الزهري ، عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن شبل بن حامد المزني أن عبد الله بن مالك الأوسي أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الأمة . . الحديث ،

[ ص: 391 ] إلا أن عقيلا وحده قال : مالك بن عبد الله ، وعكس آخرون ، وكذا قال يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن شبل به ، فجمع الإسنادين جميعا فيه ، وانفرد مالك بإسناد واحد عند عقيل والزبيدي وابن أخي الزهري ، فيه أيضا إسناد آخر عن ابن شهاب عن عبيد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل أنه - عليه السلام - سئل عن الأمة إذا زنت . . الحديث ، هكذا قال ابن عيينة في هذا الحديث جعل شبلا مع أبي هريرة وزيد ، فأخطأ وأدخل إسناد حديث في آخر ، ولم يتم حديث شبل . قال أحمد بن زهير : سمعت يحيى يقول : شبل لم يسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ، وفي رواية : ليست له صحبة ، يقال : شبل بن معبد ، وشبل بن حامد ، روى عن عبد الله بن مالك ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال يحيى : وهذا عندي أشبه . وقال محمد بن يحيى النيسابوري : جمع ابن عيينة في حديث : أبا هريرة وزيد بن خالد وشبلا ، وأخطأ في ضمه شبلا إلى أبي هريرة وزيد في هذا الحديث ، وإن كان عبيد الله بن عبد الله قد جمعهم فيه ، فإنه رواه عن أبي هريرة وزيد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعن شبل ، عن عبد الله بن مالك ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فترك ابن عيينة حديثه ، وضم شبلا إلى أبي هريرة وزيد وجعله حديثا واحدا ، وإنما ذا حديث وذاك حديث ، وقد ميزهما يونس بن يزيد ، وتفرد معمر ومالك بحديث أبي هريرة وزيد ، وروى الزبيدي وابن أخي الزهري وعقيل حديث شبل فاجتمعوا على خلاف ابن عيينة ، كذا قال محمد بن يحيى : إن مالكا ومعمرا انفردا بحديث أبي هريرة وزيد ، وقد تابعهما يحيى بن سعيد الأنصاري .

[ ص: 392 ] قلت : قد خرجه البخاري أيضا من طريق صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي هريرة وزيد ، فذكره .

وصححه الترمذي من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة .

ورواه النسائي وأدخل بين الأعمش وأبي صالح حبيب بن أبي ثابت . وأخرجه من حديث الزهري ، عن حميد ، عن أبي هريرة في الرابعة أو الثالثة ببيعها ولو بضفير ، وقال : هذا خطأ .

قلت : وروى أيضا من حديث عمارة بن أبي فروة ، عن ابن شهاب ، عن عروة وعمرة ، عن عائشة مرفوعا : "إذا زنت الأمة" الحديث ، ذكره ابن عبد البر ، ورواه إسحاق بن راشد ، عن الزهري ، عن حميد ، عن أبي هريرة ، وهذان خطأ .

وروي أيضا من حديث أبي جميلة عن علي أنه - عليه السلام - أخبر بأمة فجرت ، فأرسلني إليها فقال : "أقم عليها الحد" ، ثم قال : "أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم" أخرجه ابن أبي شيبة ، وممن كان [ ص: 393 ] يجلدها إذا زنت أو يأمر برجمها ابن مسعود وأبو برزة وفاطمة وابن عمر وزيد بن ثابت وإبراهيم النخعي وأشياخ الأنصار -قاله عبد الرحمن بن أبي ليلى- وعلقمة والأسود وأبو جعفر محمد بن علي وأبو ميسرة .

إذا عرفت ذلك فمعنى : "تبين زناها" أي : ثبت بالبينة أو بالإقرار أو بالحبل على خلفت فيه ، والأمة : المملوكة ، وجمعها إماء ، وإموان .

وفقه الباب : الحض على بيع العبد الزاني ، والندب إلى مباعدة الزانية .

ومعنى قوله : "بحبل من شعر" : المبالغة في التزهيد فيها ، وليس هذا من وجه إضاعة المال ; لأن أهل المعاصي نحن مأمورون بقطعهم ومنابذتهم .

والضفير : هو الحبل المضفور ، فعيل بمعنى مفعول ، تقول : ضفرته إذا فتلته . وقال ابن فارس : هو (حبك) الشعر وغيره عريضا . وهو مثل تضربه العرب للتقليل ، مثل لو منعوني عقالا ولو فرسن شاة ، ولم يذكر الحد في الثالثة اكتفاء بما تقدم من تقرره ووجوبه ، وقد قال تعالى : فإن أتين بفاحشة [النساء : 25] .

[ ص: 394 ] يعني بالعذاب : الجلد ، لأن الرجم لا ينتصف ، وإحصان الأمة إسلامها عند مالك والكوفيين والشافعي وجماعة كما نقله عنهم ابن القطان ، وقيل : معناه : لم تعتق فيزول بالعتق ، وقيل : معناه : ما لم تتزوج ، وقد اختلف فيه في قوله تعالى : فإذا أحصن [النساء : 25] هل هو الإسلام أو التزويج -فتحد المزوجة وإن كانت كافرة ، قاله الشافعي- أو الحرية .

وحديث علي : "أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن منهم ومن لم يحصن" . أخرجه مسلم موقوفا والنسائي مرفوعا ، فتحد الأمة على أي حالة كانت ، ويعتذر عن الإحصان في الآية فإنه أغلب حال الإماء ، وزعم أبو عمر أن من قرأ (أحصن) بالفتح فمعناه : تزوجن وأسلمن ، ومن ضم قال : زوجن .

ومعنى "لا يثرب" : لا يلومن ولا يعذبن بعد الجلد ، ويؤيده أن توبة كعب بن مالك ، ومن فر يوم حنين حين تاب الله عليهم ، كانت شرفا لهم ، ولم تكن لهم ملامة ، فبان أن اللوم والتثريب لا يكون إلا قبل التوبة أو الجلد .

وقال الخطابي : معناه لا يقتصر على تعييرها وتوبيخها دون الجلد ، ولا شك أن الإكثار من اللوم يزيل الحياء والحشمة ، [ ص: 395 ] وغالب أحوال العبيد عدم الاندفاع باللوم ، بخلاف الحر .

العبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الملامة

وأوجب أهل الظاهر بيع الأمة إذا زنت الرابعة وجلدت ، والأمة كلها على خلافه ، وكفى بقولهم جهلا خلاف الأمة له .

واختلف العلماء في العبد إذا زنى ، هل الزنا عيب يجب رده به أم لا ؟

فقال مالك : هو عيب في العبد والأمة ، وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور . وقال الشافعي : كل ما ينقص من الثمن فهو عيب .

وقال الكوفيون : هو في الجارية عيب لأنها تستولد دون الغلام ، وكذلك ولد الزنا عيب يرد به .

وقال مالك : إذا كانت الجارية ولد زنا فهو عيب ، وإنما جعل الزنا عيبا ; لأنه ربما بلغ الحد به مبلغ تلف النفس ، وإن المنايا قد تكون من القليل والكثير ، وإذا صح أنه عيب وجب على البائع إعلامه ، فإذا رضي به صح البيع كسائر العيوب ، وإذا لم يبينه كان للمبتاع رده إن شاء .

فإن قلت : فما معنى أمره - عليه السلام - ببيع الأمة الزانية والذي يشتريها يلزمه من اجتنابها ، ومباعدتها ما يلزم البائع .

فالجواب : أن فائدة ذلك -والله أعلم- المبالغة في تقبيح فعلها ، وإعلام أن الأمة الزانية لا جزاء لها إلا البيع أبدا ، وأنها بقاء لها عند سيد ، وذلك زجر لها عن معاودة الزنا وأدب بالغ ، ولعل الثاني يعفها بالوطء ، أويبالغ في التحرز عليها أو يزوجها أو يصونها بهيبته ، أو بالإحسان إليها والتوسعة عليها ، وأشباه ذلك .

[ ص: 396 ] وهل يجلدها السيد أم لا ؟

قال مالك والشافعي وأحمد : نعم ، وخالف أبو حنيفة فقال : لا يقيمه إلا الإمام بخلاف التعزير ، احتج في "الهداية" بحديث "أربع إلى الوالي" فذكر منها الحدود ، ولا نعلمه .

وهل يكتفي السيد بعلم الزنا أو لا ؟

فيه روايتان عند المالكية ، ومنهم من فرق بين المزوجة فلا يقيمه السيد ، وغيرها فيقيمه ، وفي الحديث أن الأمة لا ترجم وإن كانت مزوجة ، وأن الزاني إذا حد ثم زنى ثانيا حد أيضا .

واستنبط بعضهم من قوله : "ولو بضفير" ، جواز البيع بالغبن ، لأنه بيع حقير بثمن يسير ، وليس بجيد ; لأن الغبن المختلف فيه إنما هو مع الجهالة من المغبون ، وأما مع علم البائع بقدر ما باع وما قبض فلا يختلف فيه ; لأنه عن علم منه ورضا ، فهو إسقاط لبعض الثمن لا سيما والحديث خرج على جهة التزهيد وترك الغبطة .

وأجمع فقهاء الأمصار أن العبد في الحد كالأمة .

وانفرد أهل الظاهر فقالوا بجلده مائة ، عملا بظاهر القرآن ، لكنهم خالفوا ظاهره في الأمة ; فإنهم نصفوا عملا بالآية الأخرى فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب [النساء : 25] .

وزعم بعضهم فيما حكاه الطحاوي أن قوله : (ويجلدها) على التأديب لا الحد ، ويحتمل أن الله تعالى أعلم نبيه أن حد الإماء إذا [ ص: 397 ] زنين قبل الإحصان جلد خمسين ، فأعلم بذلك الناس .

وكان الشطر فيهن بعد الإحصان بالتزويج ما هو أغلظ من ذلك إذ كان هو المفعول بالقياس على الحرائر ، ثم أبان الله جل وعز أن حكمهن بعد الإحصان كحكمهن فيه تخفيفا ورحمة بقوله : فإذا أحصن [النساء : 25] الآية .

تنبيهان :

أحدهما : تردد ابن شهاب (لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة) ، قد جزم المقبري أنه في الثالثة ، كما ذكره البخاري أولا .

ثانيهما : سقوط الرجم عن الأمة بالإجماع بين العلماء كما ادعاه ابن التين ، وكان قتادة يرى زواج المملوك إحصانا له ، وبه قال أبو ثور .

قال : واختلفوا إذا زنت المملوكة ولا زوج لها ، فروي عن ابن عباس لا حد لها . وقرأ أحصن بضم الهمزة ، وقال أكثر العلماء : تجلد وإن لم تزوج ومعنى الإحصان فيهن الإسلام وعليه قرأه أحصن بفتح الهمزة ، وقيل : على هذا أيضا تزوجن ، واحتج بقوله تعالى : محصنين غير مسافحين [النساء : 24] .

التالي السابق


الخدمات العلمية