التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2050 2158 - حدثنا الصلت بن محمد ، حدثنا عبد الواحد ، حدثنا معمر ، عن عبد الله بن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تلقوا الركبان ، ولا يبيع حاضر لباد" . قال : فقلت لابن عباس : ما قوله : "لا يبيع حاضر لباد" ؟ قال : لا يكون له سمسارا . [2163 ، 2274 - مسلم: 1521 - فتح: 4 \ 370]


ثم ساق حديث جرير :

بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، إلى قوله : والنصح لكل مسلم .

وحديث ابن عباس : "لا تلقوا الركبان ، ولا يبيع حاضر لباد" . فقلت لابن عباس : ما قوله : "يبيع حاضر لباد" ؟ قال : لا يكون له سمسارا .

الشرح : حديث جرير سلف في الإيمان ، وحديث ابن عباس أخرجه مسلم أيضا ، والتعليق أسنده مسلم من حديث أبي هريرة [ ص: 404 ] مرفوعا : "حق المسلم على المسلم ست" فذكر منها : "وإذا استنصحك فانصح له" ذكره في الاستئذان .

وأخرجه البيهقي من حديث أبي حمزة . عن عبد الملك بن عمير ، عن أبي الزبير ، عن جابر مرفوعا : "وإذا استنصح أحدكم أخاه فلينصحه" .

قال البيهقي : وروي معناه ، عن حكيم بن أبي يزيد ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقيل : عنه عن أبيه ، عمن سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وفيه : النهي عن بيع حاضر لباد .

وشيخ البخاري في حديث ابن عباس هو الصلت (م) بن محمد ، من أفراده عن مسلم ، صالح الحديث ، كالصلت بن مسعود ، انفرد به مسلم ، ثقة .

إذا تقرر ذلك : فالبخاري أراد بحديث ابن عباس النهي ، وبقول عطاء أن بيع الحاضر للبادي جائز بلا كراهة ، وترجمته بعد تدل له ، لأن البدوي قد يستنصح الحضري .

ويحتمل أن يكون - عليه السلام - قال ذلك على معنى المصلحة لأهل الحضر والنظر لهم ; لالتزامهم الجماعة ، وطلبهم للعلم والمذاكرة فيه . وقد قال (إثره) : "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" أخرجه مسلم من حديث جابر وهو من أفراده ، فإذا تولى الحضري البيع للبدوي رفع [ ص: 405 ] في أثمان السلعة ، بخلاف تولي البدوي ذلك بنفسه ، فربما سأل أقل من سؤال الحضري وينتفع بذلك أهل الحضر ، ولم يزل - عليه السلام - ينظر للعامة على الخاصة ، فيريد البخاري على هذا التأويل أن ترك السمسرة على هذا التأويل ، وترك بيع الحاضر للبادي من النصيحة للمسلمين .

قال الطحاوي : فعلمنا من النهي أن الحاضر إنما نهي أن يبيع للبادي ; لأن الحاضر يعلم أسعار الأسواق فيستقصي على الحاضرين ، فلا يكون لهم في ذلك ربح ، وإذا باعهم أعرابي على غرته وجهله بالأسعار ربح عليه الحاضرون ، فأمر - عليه السلام - أن يخلي بين الأعراب والحاضرين في البيوع .

واختلف العلماء في ذلك ، فأخذ قوم بظاهر الحديث ، وكرهوا بيع الحاضر للبادي ، روي ذلك عن أنس وأبي هريرة وابن عمر ، وهو قول مالك والليث والشافعي ورخص فيه آخرون ، روي ذلك عن عطاء كما ذكره البخاري ، ومجاهد قال : إنما نهي عنه في زمانه فأما اليوم فلا . وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ، وقالوا : قد عارض هذا الحديث حديث : "الدين النصيحة" لكل مسلم ، فيقال لهم : هذا عام وما نحن [ ص: 406 ] فيه خاص ، وهو قاض على العام ; لأنه استثناء ، كأنه قال : الدين النصيحة إلا أنه لا يبيع حاضر لباد . فيستعملان جميعا العام فيما عدا الخاص .

وقال مالك في تفسير الحديث : لا أرى أن يبيع حاضر للبادي ، ولا لأهل القرى ، وأما أهل المدن من أهل الريف فليس بالبيع لهم بأس ، إلا من كان منهم يشبه أهل البادية ، فإني لا أحب أن يبيع لهم حاضر .

وقال في البدوي يقدم المدينة فيسأل الحاضر عن السعر : أكره أن يخبره .

وقال مرة أخرى : لا بأس أن يشير عليه ، روى عنه ابن القاسم القولين جميعا .

وقال ابن المنذر : قد تأول قوم نهيه على وجه التأديب لا على معنى التحريم ، لحديث : "دعوا الناس" السالف ، وليس ببين عندي أن هذا الكلام يدل على أنه تأديب بل هو عندي على الحظر . وقد اختلف في نسخه ، وقد بيناه واضحا في باب البيع على البيع وفي جعله الخيار للبائع دلالة على صحة البائع إذ الفساد لا خيار فيه ، قال صاحب "اللباب" : نسخ هذا الخيار قوله : "البيعان بالخيار" .

فرع :

إذا قدم البدوي يريد الابتياع فتعرض له بلدي يريد أن يبتاع له رخيصا ، فهل يحرم ذلك عليه كما في البيع ؟ فيه تردد من حيث [ ص: 407 ] البحث وظاهر إيراد البخاري هنا المنع .

فائدة :

في حديث طلحة بن عبيد الله في أبي داود من حديث سالم المكي :

أن أعرابيا حدثه أنه قدم بحلوبة له على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فنزل على طلحة ، فقال له : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يبيع حاضر لباد ، ولكن اذهب إلى السوق فانظر من يبايعك ، فشاورني حتى آمرك وأنهاك .

ورواه ابن وهب عن عمرو بن الحارث وابن لهيعة ، عن سالم أبي النضر ، عن رجل من بني تميم ، عن أبيه ، عن طلحة . ورواه سليمان بن أيوب الطلحي ، عن أبيه ، عن جده ، عن موسى بن طلحة عن أبيه ، قال يعقوب بن شيبة في أحاديث سليمان بن أيوب الطلحي وهي سبعة عشر حديثا رواها عن أبيه عن جده عن موسى بن طلحة عن أبيه ، هذه الأحاديث عندي صحاح .

ولما خرجه البزار من حديث ابن إسحاق عن سالم المكي ، عن أبيه ، قال : لا نعلمه يروى عن طلحة إلا من هذا الوجه ، ولا نعلم أحدا قال : عن سالم ، عن أبيه : عن طلحة إلا مؤمل بن إسماعيل ، وغير مؤمل يرويه عن رجل .

[ ص: 408 ] عن الأوزاعي : ليست الإشارة بيعا .

وعن مالك الرخصة في الإشارة ، وقال مالك : لا يشير عليه ; لأنه إذا أشار عليه فقد باع له . ولم يراع الفقهاء في السمسار أجرا ولا غيره ، والناس في تأويل الحديث على قولين : فمن كرهه كرهه بأجر وبغير أجر ، ومن أجازه أجازه بأجر وبغير أجر .

التالي السابق


الخدمات العلمية