التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2057 2165 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يبيع بعضكم على بيع بعض ، ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق" . [انظر : 2139 - مسلم: 1412 ، 1517 - فتح: 4 \ 373]


ذكر فيه أربعة أحاديث :

أحدها : عن أبي هريرة : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التلقي ، وأن يبيع حاضر لباد .

ثانيها : حديث ابن طاوس عن أبيه قال : سألت ابن عباس ما معنى قوله : "لا يبيعن حاضر لباد" ؟ فقال : لا يكون له سمسارا .

ثالثها : حديث ابن مسعود : من اشترى محفلة فليرد معها صاعا . قال : ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تلقي البيوع .

[ ص: 413 ] رابعها : حديث ابن عمر

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا يبيع بعضكم على بيع بعض ، ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق" .

الشرح :

هذه الأحاديث الأربعة أخرجها مسلم أيضا ، وعبد الوهاب المذكور في إسناد حديث أبي هريرة ، هو ابن عبد المجيد الحافظ الثقة ، اختلط .

قال ابن عبد البر : روي هذا المعنى بألفاظ مختلفة ، فرواية الأعرج ، عن أبي هريرة : "لا تلقوا الركبان" ، ورواية ابن سيرين عنه : "لا تلقوا الجلب" ، ورواية ابن أبي صالح وغيره : نهى أن [ ص: 414 ] تتلقى السلع حتى تدخل الأسواق . ورواية ابن عباس : "لا تستقبلوا السوق ولا يتلقى بعضهم لبعض" . والمعنى واحد ، فحمله مالك على أنه لا يجوز أن يشتري أحد من الجلب والسلع الهابطة في الأسواق ، وسواء هبطت من أطراف العصر أو من البوادي حتى يبلغ بالسلعة سوقها ، وقيل لمالك : أرأيت إن كان ذلك على رأس ستة أميال ؟ فقال : لا بأس بذلك ، والحيوان وغيره في ذلك سواء .

وعن ابن القاسم : إذا تلقاها متلق واشتراها قبل أن يهبط بها السوق ، قال ابن القاسم : تعرض ، وإن نقصت عن ذلك الثمن لزمت المشتري . قال سحنون : وقال لي غير ابن القاسم : يفسخ البيع .

وقال الليث : أكره تلقي السلع وشراءها في الطريق أو على بابك حتى تقف السلعة في سوقها ، وسبب ذلك الرفق بأهل الأسواق ; لئلا يقطع بهم عما له جلسوا يبتغون من فضل الله فنهوا عن ذلك ; لأن في ذلك فسادا عليهم .

وقال الشافعي : رفقا بصاحب السلعة ; لئلا يبخس في ثمن سلعته ، وعند أبي حنيفة : من أجل الضرر ، فإن لم يضر بالناس تلقي ذلك لضيق المعيشة وحاجتهم إلى تلك السلعة فلا بأس بذلك . وعن الأوزاعي نحوه .

[ ص: 415 ] وقال ابن حزم : هو حرام سواء خرج لذلك أم لا ، بعد موضع تلقيه أم قرب ، ولو أنه من السوق على ذراع فصاعدا ، لا لأضحية ولا لقوت ولا لغير ذلك ، أضر ذلك بالناس أم لا ، فمن تلقى جلبا أي شيء كان فالجالب بالخيار إذا دخل السوق ، متى ما دخله ولو بعد أعوام في إمضاء البيع ، أورده ، واحتج بحديث علي وابن عمر وأبي هريرة وابن مسعود وابن عباس في النهي عن ذلك ، ثم قال : هذا نقل متواتر رواه خمسة من الصحابة ، وأفتى به أبو هريرة وابن عمر ، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة .

وقال ابن المنذر : كره تلقي السلع للشراء مالك والليث والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق ، وأجازه أبو حنيفة .

واختلفوا في معنى التلقي ، فذهب مالك إلى أنه لا يجوز تلقي السلع حتى تصل إلى السوق ، ومن تلقاها فاشتراها منهم شركه فيها أهل السوق إن شاءوا وكان واحدا منهم .

قال ابن القاسم : وإن لم يكن للسلعة سوق عرضت على الناس في العصر فيشتركون فيها إن أحبوا ، فإن أخذوها وإلا ردوها عليه ، ولم أردها على بائعها . وقال غيره : يفسخ البيع في ذلك . وقد سلف .

[ ص: 416 ] وقال الشافعي : من تلقى فقد أساء ، وصاحب السلعة بالخيار إذا قدم به السوق في إنفاذ البيع أو رده ; لأنهم يتلقونهم فيخبرونهم بكساد السلع وكثرتها ، وهم أهل غرة ومكر وخديعة ; حجته حديث أبي هريرة : "وإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار" .

وذهب مالك أن نهيه عن التلقي إنما يريد به نفع أهل السوق لا نفعرب السلعة كما سلف ، وعلى ذلك يدل مذهب الكوفيين والأوزاعي ، وقال الأبهري : معناه : لئلا يستبد الأغنياء وأصحاب الأموال بالشراء دون أهل الضعف ، فيؤدي ذلك إلى الضرر بهم في معايشهم .

ولهذا المعنى قال مالك : إنه يشرك بينهم إذا تلقوا السلع ; ليشترك فيها من أرادها من أهل الضعف ولا ينفرد بها الأغنياء .

ومذهب الشافعي : إنما أريد به نفع رب السلعة وقد سلف ، وهذا أشبه بمعنى الحديث ، فإن تلقاها فصاحبه بالخيار فجعل الخيار للبائع ; لأنه المعذور فثبت أن المراد بذلك نفع رب السلعة .

وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا كان التلقي في أرض لا يضر بأهلها فلا بأس به ، وإن كان يضرهم فهو مكروه .

واحتج الكوفيون بحديث ابن عمر قال : كنا نتلقى الركبان فنشتري منهم الطعام ، فنهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نبيعه حتى يبلغ به سوق الطعام .

[ ص: 417 ] وقال الطحاوي : في هذا الحديث إباحة التلقي ، وفي الأحاديث الأول النهي عنه ، فأولى بنا أن نجعل ذلك على غير التضاد ، فيكون ما نهى عنه من التلقي لما في ذلك من الضرر على غير المتلقين المقيمين في السوق ، وما أبيح من التلقي هو ما لا ضرر فيه عليهم . وتأويل هذا الحديث يأتي في الباب الآتي على الأثر ، قال الطحاوي : والحجة في إجازة الشراء مع التلقي المنهي عنه حديث أبي هريرة : "لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فهو بالخيار" إذا أتى السوق ففيه جعل الخيار مع النهي ، وهو دال على الصحة إذ لا يكون الخيار إلا فيه ، إذ لو كان فاسدا لأجبر بائعه ومشتريه على فسخه .

التالي السابق


الخدمات العلمية