التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2089 [ ص: 497 ] 89 - باب: إذا أراد بيع تمر بتمر جنيب

2201 ، 2202 - حدثنا قتيبة ، عن مالك ، عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلا على خيبر ، فجاءه بتمر جنيب ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أكل تمر خيبر هكذا ؟ " . قال : لا والله يا رسول الله ، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين ، والصاعين بالثلاثة . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تفعل ، بع الجمع بالدراهم ، ثم ابتع بالدراهم جنيبا" .

الحديث 2201 - [2302 ، 4244 ، 4246 ، 7350 - مسلم : 1593 - فتح: 4 \ 399]

الحديث 2202 - [2303 ، 4245 ، 4247 ، 7351 - مسلم: 1593 - فتح: 4 \ 399]


ذكر فيه حديث أبي سعيد وأبي هريرة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلا على خيبر ، فجاءه بتمر جنيب ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أكل تمر خيبر هكذا ؟ " . قال : لا والله يا رسول الله ، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين ، والصاعين بالثلاثة . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تفعل ، بع الجمع بالدراهم ، ثم ابتع بالدراهم جنيبا" .

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا .

قال ابن عبد البر : ذكر (أبو) هريرة في هذا الحديث لا يوجد من غير رواية عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن عن ابن المسيب عنهما رواه عنه مالك ، وإنما يحفظ لأبي سعيد ، كذا رواه قتادة عن سعيد من رواية حفاظ أصحاب قتادة ، وروى الدراوردي عن عبد المجيد بن سهيل ، عن أبي صالح السمان عنهما ، ولا نعرفه بهذا الإسناد هكذا [ ص: 498 ] إلا من حديث الدراوردي ، وكل من روى عن عبد المجيد بن سهيل هذا عنه بإسناده عن سعيد عنهما ذكره في آخره . وكذا الميزان ، إلا مالكا فإنه لم يذكره في حديثه ، وذكر البخاري ، في المغازي ، قال عبد العزيز الدراوردي : عن عبد المجيد ، عن ابن المسيب عنهما أنهما حدثاه :

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أخا عدي من الأنصار إلى خيبر فأمره عليها . وعن عبد المجيد ، عن أبي صالح عنهما مثله .

قال أبو عمر : جل أصحاب مالك يقولون : عبد المجيد ، وفي رواية ابن نافع : عبد الحميد ، وعند يحيى بن يحيى ويحيى بن بكير وابن عيينة القولان جميعا ، وعبد الحميد أصح .

إذا تقرر ذلك فالكلام عليه من أوجه :

أحدها : اسم هذا العامل : سواد بن غزية بن وهب البدري البلوي حليف الأنصار . وقيل : مالك بن صعصعة الخزرجي ، ذكره الخطيب ، وجزم ابن بشكوال بالأول .

ثانيها : وقع في بعض الروايات بالثلاث بغير هاء ، وفي بعضها [ ص: 499 ] بإثباتها . والصاع يذكر ويؤنث ، والجنيب : أرفع التمر ، والجمع رديء .

ثالثها : قال ابن عبد البر : الميزان ، وإن لم يذكره مالك فهو أمر مجمع عليه ، لا خلاف بين أهل العلم فيه ، كل يقوله على أصله إن ما داخله في الجنس الواحد من جهة التفاضل والزيادة لم تجز فيه الزيادة والتفاضل لا في كيل ولا في وزن ، والوزن والكيل عندهم في ذلك سواء ، إلا ما كان أصله الكيل لا يباع إلا كيلا ، وما كان أصله الوزن لا يباع إلا وزنا ، وما كان أصله الكيل فبيع وزنا فهو عندهم مماثلة وإن كرهوا ذلك ، وما كان موزونا فلا يجوز أن يباع كيلا عند جميعهم ; لأن المماثلة لا تدرك بالكيل ، إلا فيما كان كيلا ولا وزنا اتباعا للسنة .

وأجمعوا أن الذهب والورق والنحاس وما أشبه لا يجوز شيء من هذا كله كيلا بكيل بوجه من الوجوه ، والتمر كله على اختلاف أنواعه جنس واحد لا يجوز فيه التفاضل في البيع والمعاوضة ، وكذلك البر والزبيب ، وكل طعام مكيل ، هذا حكم الطعام المقتات عند مالك ، وعند الشافعي : الطعام كله مقتات ، أو غير مقتات ، وعند الكوفيين : الطعام المكيل والموزون دون غيره .

رابعها : فيه : أن من لم يعلم بتحريم الشيء فلا حرج عليه حتى يعلمه ، قال تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [الإسراء : 15] وقام الإجماع على أن البيع إذا وقع محرما فهو مفسوخ مردود ; [ ص: 500 ] لقوله : "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" وفي "صحيح مسلم" : "فردوه" . وسيأتي حديث أبي سعيد الخدري قال : جاء بلال بتمر برني ، فقال له - عليه السلام - : "من أين هذا ؟ " فقال بلال : تمر كان عندنا رديء فبعته صاعين بصاع ; لمطعم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال عند ذلك : "أوه عين الربا لا تفعل ، ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع آخر ثم اشتر به" ، وللبخاري : "أوه أوه عين الربا" مرتين ، ولم يعز ابن بطال هذا الحديث إلى البخاري الذي هو شارحه بل قال : وقد روي أنه - عليه السلام - أمر برد هذا البيع من حديث بلال بن رباح ، ومن حديث أبي سعيد الخدري ، ثم ساق حديث بلال وفي آخره : "انطلق فرده على صاحبه ، وخذ تمرك ، وبعه ، ثم اشتر التمر" ، وقد زعم قوم أن بيع العامل الصالح بالصاعين كان قبل نزول آية الربا ، وقبل أن يخبرهم الشارع بتحريم التفاضل في ذلك ، ولذلك لم يأمر بفسخه وهذه غفلة ; لأنه - عليه السلام - قال في مغنم خيبر للسعدين : "أربيتما فردا" ، وفتح خيبر مقدم على ما كان بعد ذلك مما وقع في تمرها ، وقد احتج بحديث الباب من أجاز بيع الطعام من رجل نقدا ويبتاع منه بذلك طعاما قبل الافتراق وبعده ; لأنه لم يخص فيه بائع الطعام ولا مبتاعه من غيره ، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأبي ثور ، ولا يجوز هذا عند مالك ;

[ ص: 501 ] لأنه عنده كأنه طعام بطعام ، والدراهم ملغاة إلا أن يكون الطعام جنسا واحدا وكيلا واحدا فيجوز عنده . وهذه عندنا حيلة ، وتسمى بيع العينة ، ووافق مالكا أحمد ، وهو على قاعدة مالك في سد الذرائع فإن هذه الصورة عندهم تؤدي إلى بيع التمر بالتمر متفاضلا ، ثم إنه ليس في الحديث أن الذي اشترى منه ثانيا هو الأول ، فهو مطلق صالح له بخلاف العموم فإنه ظاهر في الاستغراق .

قلت : وحديث العينة وإن أخرجه أبو داود وغيره فهو متكلم فيه ، ووافقنا ابن حزم ، فقال : هو حلال ما لم يكن عن شرط ، قال : ومنع منه قوم وقالوا : إنه باع منه دنانير بدنانير متفاضلا ، فقلنا : بل هما صفقتان ، ثم أوضحه وقد أمر به عمر والأسود بن يزيد .

وقد يحتج بالحديث من يرى أن الربا جائز بأصله دون وصفه ، فيسقط الربا ويصح البيع كما قاله أبو حنيفة ، وفي التخيير له - عليه السلام - التمر الطيب وإقرارهم عليه دليل على أن النفس يرفق بها بحقها ، وهو عكس ما يصنعه الجهال المتزهدون من حملهم على أنفسهم ما لا تطيق جهلا منهم بالسنة ، نبه عليه ابن الجوزي .

التالي السابق


الخدمات العلمية