التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2094 2208 - حدثنا قتيبة ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن حميد ، عن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع ثمر التمر حتى تزهو . فقلنا لأنس : ما زهوها ؟ قال : تحمر وتصفر ، أرأيت إن منع الله الثمرة بم تستحل مال أخيك ؟ [انظر : 1488 - مسلم: 1555 - فتح: 4 \ 404]


ذكر فيه حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المحاقلة ، والمخاضرة والمنابذة ، والملامسة ، والمزابنة .

وحديث أنس في بيع الثمار حتى تزهو ، وقد أسلفناه ، وكذا الأول ، وأنه من أفراد البخاري ، قال الإسماعيلي : وفي بعض الروايات : والمخاضرة : بيع الثمار قبل أن تطعم ، وبيع الزرع قبل أن يشتد ويفرك منه ، وقد أسلفنا الكلام على كل ذلك .

والمخاضرة : بالخاء والضاد المعجمتين ، وهي : بيع الثمار خضراء لم (يبد) صلاحها . مفاعلة ; لأنهما باعا شيئا أخضر ، وقام الإجماع [ ص: 512 ] على أنه لا يجوز بيع الثمار ، والزروع ، والبقول قبل بدو صلاحها على شرط التبقية إلى وقت طيبها ، ولا يجوز بيع الزرع الأخضر إلا القصيل لأكل الدواب ، وكذلك أجمعوا أنه يجوز بيع البقول إذا قلعت من الأرض ، وانتفع بها ، وأحاط علما بها المشتري ، ومن بيع المخاضرة : شراؤها مغيبة في الأرض كالفجل والكراث والبصل واللفت وشبهه ، وأجاز شراءها مالك والأوزاعي .

قال مالك : وذلك إذا استقل ورقه وأمن ، والأمان عنده أن يكون ما يقطع منه ليس بفساد ، وقال أبو حنيفة : بيع المغيب في الأرض جائز ، وهو بالخيار إذا رآه ، قال الشافعي : لا يجوز بيع ما لا يرى . وهو عنده من بيوع الغرر ، وحجة من أجاز ذلك : أنه لو قلعها ثم باعها لأضر ذلك به وبالناس ; لأنهم إنما يأكلون ذلك أولا أولا كما يأكلون الرطب والتمر ، ولا يقصدون بذلك الغرر ، وإذا باعها على شيء يراه ، أو صفة توصف له جاز فمتى جاء بخلاف الصفة أو الرؤية كان له رد ذلك بحصته ، وإنما يجوز بيع ذلك كله على التبقية إذا طابت للأكل ، كما يجوز بيع الثمرة على التبقية إذا طابت للأكل .

واختلفوا في بيع القثاء والبطيخ ، وما يأتي بطنا بعد بطن ، فقال مالك : يجوز بيعه إذا بدا صلاحه ، ويكون للمشتري ما ينبت حتى ينقطع ثمره ; لأن وقته معروف عند الناس .

[ ص: 513 ] وقال أبو حنيفة والشافعي : لا يجوز بيع بطن منه إلا بعد طيبه كالبطن الأول ، وهو عندهم من بيع ما لم يخلق ، وجعله مالك كالثمرة إذا بدا صلاح أولها جاز ما بدا صلاحه وما لم يبد ; لحاجتهم إلى ذلك ، ولو منعوا منه لأضر بهم ; لأن ما تدعو إليه الضرورة يجوز فيه بعض الغرر ، ألا ترى أن الظئر تكرى لأجل لبنها الذي لم يخلق ولم يوجد إلا أوله ، ولا يدرى كم يشرب الصبي منه ، وكذلك لو اكترى عبدا لخدمته لكانت المنفعة التي وقع عليها العقد لم تخلق ، وإنما تجددت أولا أولا ، ولو مات العبد لوقعت المحاسبة على ما حصل من المنفعة ، فجوز ذلك لحاجة الناس إليه فبيع ما لم يخلق ، وقد جرت العادة في الأغلب إذا كان الأصل سليما من الآفات أن تتتابع بطونه وتتلاحق ، وعدم مشاهدته لا تدل على بطلان بيعه ، بدليل بيع الجوز واللوز في قشريهما وفساده البين من خارج ، ولو كان مقشورا مغطى بشيء غير قشره لم يصح البيع .

التالي السابق


الخدمات العلمية