التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2098 2212 - حدثني إسحاق ، حدثنا ابن نمير ، أخبرنا هشام ، وحدثني محمد قال : سمعت عثمان بن فرقد قال : سمعت هشام بن عروة يحدث عن أبيه أنه سمع عائشة [ ص: 517 ] رضي الله عنها تقول : ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف [النساء : 6] أنزلت في والي اليتيم الذي يقيم عليه ، ويصلح في ماله ، إن كان فقيرا أكل منه بالمعروف . [2765 ، 4575 - مسلم: 3019 - فتح : 4 \ 406]


ثم ساق حديث أنس : حجم النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو طيبة . . . الحديث . وقد سلف في ذكر الحجام بالسند سواء . ؟

وحديث عائشة في قصة هند .

وحديثها أيضا من طريقين أما الآية السالفة : ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف [النساء : 6] أنزلت في والي اليتيم الذي يقيم عليه ويصلح في ماله ، إن كان فقيرا أكل منه بالمعروف .

وهما مسندان للتعليقين السالفين ، والبخاري أخرج الأخير عن إسحاق ، وهو : ابن منصور كما صرح به في التفسير ، ولما استخرجه أبو نعيم هناك من طريق إسحاق بن إبراهيم ، قال : رواه -يعني البخاري- عن إسحاق بن منصور ، ومقصود البخاري بالترجمة -كما قال ابن المنير- إثبات الاعتماد على العرف وأنه يقضى به على ظواهر الألفاظ ، ويرد إلى ما خالف الظاهر من العرف ; ولهذا ساق :

(لا بأس العشرة بأحد عشر) ، أي : لا بأس أن يبيعه سلعة مرابحة للعشرة بأحد عشر ، وظاهره : أن ربح العشرة أحد عشر ، فتكون [ ص: 518 ] الجملة أحدا وعشرين ولكن العرف فيه أن للعشرة واحدا ربحا ، فيقضي العرف على اللفظ ، فإذا صح الاعتماد على العرف معارضا بالظاهر ، فالاعتماد عليه مطلقا أولى . ووجه دخول حديث أبي طيبة في الترجمة أنه - عليه السلام - لم يشارطه اعتمادا على العرف في مثله .

وقوله : (ويأخذ للنفقة ربحا) ، إن أراد نفقة نفسه فمذهب مالك أنها لا تحسب ولا يحسب له ربح ، وإن أراد نفقة الرقيق فتحسب عند مالك ولا يحسب لها ربح ، فهو خلاف مالك على كل حال إلا أن يريد أنه بين ذلك ، أو كانت عندهم عادة ، فتحتاج إلى بيان هذه النفقة ; لأنه يحتمل أن تكون قليلة أو كثيرة ، ونبه عليه ابن التين ، قال : وفي أكثر ما في الباب دليل لما بوب عليه أن العادة تقوم عند عدم الشرط مقامه وهو مذهب مالك وغيره .

وقال الشافعي : لا اعتبار بذلك .

وقال ابن بطال : العرف عند الفقهاء أمر معمول به ، وهو كالشرط اللازم في البيوع وغيرها ، ولو أن رجلا وكل رجلا على بيع سلعة فباعها بغير النقد الذي هو عرف الناس لم يجز ذلك ، ولزمه النقد [ ص: 519 ] الجاري ، وكذلك لو باع طعاما موزونا أو مكيلا بغير الوزن ، أو الكيل المعهود لم يجز ، ولزم الكيل المعهود المتعارف من ذلك .

قال : وقوله : (يأخذ للعشرة أحد عشر) ، يعني لكل عشرة واحدا من رأس المال دينار . وقال ابن التين : يزيد في بيع المرابحة ، يقول : كل عشرة أخرجتها يأخذ لها أحد عشر .

واختلف العلماء في ذلك ، فأجازه قوم وكرهه آخرون ، وممن كرهه ابن عباس وابن عمر ومسروق والحسن ، وبه قال أحمد وإسحاق ، قال أحمد : البيع مردود ، وأجازه سعيد بن المسيب والنخعي ، وهو قول مالك والثوري والكوفيين والأوزاعي .

حجة الأول : أنه عنده بيع مجهول ، إلا أن يعلم عدد العشرات ، فيعلم عدد ربحها ، ويكون الثمن كله معلوما . وحجة الثاني : أن الثمن معلوم فكذا الربح ، وأصل هذا الباب بيع الصبرة كل قفيز بدرهم ، ولا يعلم مقدار ما في الصبرة من الطعام ، فأجازه قوم وأباه آخرون ، ومنهم من قال : لا يلزمه إلا القفيز الواحد ومن بيع العشرة الواحد .

واختلفوا في النفقة : هل يأخذ لها ربحا في بيع المرابحة ؟ فقال مالك : لا ، إلا فيما له تأثير في السلعة وعين قائمة كالصبغ ، والخياطة ، والكماد ، فهذا كله يحسب في أصل المال ، ويحسب له الربح ; لأن تلك المنافع كلها سلعة ضمت إلى سلعة .

قال مالك : ولا يحسب في المرابحة أجر السمسار ، ولا الشد والطي ، ولا النفقة على الرقيق ، ولا كراء البيت ، وإنما يحسب هذا [ ص: 520 ] في أصل المال وما يحسب له ربح .

وأما كراء البز فيحسب له الربح ; لأنه لا بد منه ، ولا يمكنه حمله بيده من بلد إلى بلد ، فإن أربحه المشتري على ما لا تأثير له جاز إذا رضي بذلك ، فإن لم يبين البائع للمشتري ذلك وأجمل البيع كان للمشتري رد ذلك كله إن شاء ; لأن البائع قد غره . وقال أبو حنيفة : يحسب في المرابحة أجر القصارة ، وكراء البيت ، وأجر السمسار ، ونفقة الرقيق وكسوتهم ، ويقول : قام علي بكذا وكذا .

وأما أجرة الحجام فأكثر العلماء يجيزونها -كما سلف- هذا إذا كان الذي يعطاه فيما يرضى به ، فإن أعطي ما لا يرضى فلا يلزم ، ورد إلى العرف ، ومما يدل على أن العرف عمل جار حديث هند ، فأطلق لها أن تأخذ من متاع زوجها ما تعلم أن نفسه تطيب لها بمثله ، وكذلك أطلق الله تعالى لولي اليتيم أن يأكل من ماله بالمعروف ، واستدل بحديث هند على القضاء على الغائب وبالإفتاء ; لأن زوجها أبا سفيان كان متواريا بها ، بل ذكر السهيلي أنه كان حاضرا سؤالها فقال لها : أنت في حل مما أخذت ، وبأن المرأة لا تأخذ من مال زوجها شيئا بغير إذنه ولو قل ، ألا ترى أنه لما سألته قال لها : "لا" ، ثم استثنى فقال : "لا ، إلا بالمعروف" .

[ ص: 521 ] وقولها : (رجل شحيح) ، كذا هنا وفي أخرى : (مسيك) ، بكسر الميم وتشديد السين ، كما ضبطه أبو موسى المديني ، ونقله صاحب "المطالع" عن (الأكثرين) ، قال : ورواية المتقنين بفتح الميم وتخفيف السين وكسرها ، كذا عند المستملي وأبي بحر ، وكذا رواه أهل اللغة ; لأن أمسك لا يبنى منه فعيل ، إنما يبنى من (الثلاثي) ، وتفسير عائشة للآية روي عن عمر نحوه .

وقيل : إن الولي يستقرض من مال اليتيم إذا افتقر ، وبه قال عبيدة ، وعطاء ، والشعبي ، وأبو العالية .

وقيل : فليأكل بالمعروف [النساء : 6] في مال نفسه ; لئلا يحتاج إلى مال اليتيم .

وقال مجاهد : ليس عليه أن يأخذ قرضا ولا غيره وبه قال أبو يوسف ، وذهب إلى أن الآية منسوخة نسخها ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [البقرة : 188] .

[ ص: 522 ] وقولها : (أنزلت في والي اليتيم الذي يقيم عليه) ، كذا وقع ، وصوابه يقوم بالواو ; لأن يقيم متعد بغير حرف جر .

التالي السابق


الخدمات العلمية