التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2099 [ ص: 523 ] 96 - باب: بيع الشريك من شريكه

2213 - حدثني محمود ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري عن أبي سلمة ، عن جابر رضي الله عنه : جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشفعة في كل مال لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة . [2214 ، 5722 ، 2495 ، 2496 ، 6976 - مسلم: 1608 - فتح: 4 \ 407]


ذكر فيه حديث جابر : جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشفعة في كل مال لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة .

هذا الحديث ذكره بعد ، وترجم عليه باب بيع الأرض ، والدور ، والعروض مشاعا غير مقسوم ، ولفظه : (قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشفعة في كل ما لم يقسم) بمثله .

وفي آخر في موضع آخر : (إنما جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشفعة) بمثله أيضا ، وأخرجه مسلم بألفاظ نحوها ، وقال البخاري هنا : (في كل ما لم يقسم) رواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري ، تابعه هشام ، عن معمر ، وقال عبد الرزاق : في كل مال ، فإن قلت : من أين يؤخذ ما بوب له ؟ وهو بيع الشريك من شريكه .

[ ص: 524 ] قلت : لأن أخذه من الشريك كأنه شراء ، فإذا كان له الأخذ بالشراء فالشفعة أولى ; لأنه إنما يأخذ بحق الشركة المتقدمة ، فيأخذ ما هو أولى أن يقع البيع منه .

إذا عرفت ذلك فبيع الشريك من الشريك في كل شيء مشاع جائز ، وهو كبيعه من الأجنبي ، فإن باعه من الأجنبي فللشريك الشفعة لعلة الإشاعة ، وخوف دخول الضرر عليه .

وإن باعه من شريكه ارتفعت الشفعة وإذا كان للشريك الأخذ بالشفعة ، فبالسنة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلى البائع إذا أحب البيع أن لا يبيع من أجنبي حتى يستأذن شريكه ، كما ثبت في الصحيح من حديث جابر .

وفي لفظ : "لا يحل أن يبيع حتى يؤذن شريكه" وفي لفظ : "لا يصلح" وبه صرح الإمام أحمد .

وأما بيع العروض مشاعا فأكثر العلماء أنه لا شفعة فيها ، وإنما الشفعة في الدور والأرضين خاصة ، وهو قول عطاء والحسن وربيعة والحكم وحماد ، وبه قال مالك ، والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق . وروي عن عطاء أنه قال : الشفعة في كل شيء حتى في الثوب ، وإذا اختلف فيها قول عطاء فكأنه لم يأت عنه فيها [ ص: 525 ] شيء ، فهو كالإجماع أنه لا شفعة في العروض والحيوان ، قاله ابن المنذر ، وحكى مقالة عطاء بعض الشافعية عن مالك ، وأنكره القاضي أبو محمد . وقول البخاري في باب بيع الأرض والدور رواه عبد الرحمن ابن إسحاق عن الزهري . عبد الرحمن هذا يعرف بعباد ، مدني نزل البصرة .

وقول عبد الرزاق : كل مال . رواه الإمام أحمد في "مسنده" عن عبد الرزاق : في كل مال يقسم . ورواه إسحاق بن إبراهيم عنه فقال : في الأموال ما لم يقسم ، فإذا قسمت الحدود عرف الناس حقوقهم فلا شفعة .

وفيه : جواز بيع المشاع .

وقوله : (في كل مال لم يقسم) ، لفظ عام ، ومراده : العقار كما سلف ، ولا شفعة عندنا في البئر وفاقا لمالك وخلافا لأبي حنيفة ، وقواه الخطابي لانتفاء قسمته . والحدود : هي التي تمسك الماء بين الأرضين ، سميت بذلك لمنعها الماء .

وقوله : (وصرفت الطرق) يحتج به من يرى الشفعة واجبة في الطريق إذا كانت واحدة ، وهو حكم الظاهر ، وتأوله من لا يراه على أنه أراد به الطريق في المشاع دون المقسوم ، وذلك أن الطريق المشاع مشاع بين الشركاء ، فإذا قسم بينهم منع كل واحد أن يطرق في حق صاحبه ، [ ص: 526 ] وجمهور العلماء على أنه لا شفعة إلا في المشاع لحق ضرر الشركة ، منهم الأربعة خلا أبا حنيفة ، والأوزاعي ، وإسحاق ، وأبا ثور ، وروي عن عمر ، وعثمان ، وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار ، وربيعة ، وأبي الزناد ، وعمر بن عبد العزيز ، والزهري ، ويحيى الأنصاري ، والمغيرة بن عبد الرحمن .

وخالف بعض أهل العراق ، فقال : تجب الشفعة بالجوار الملاصق ، وهو قول الثوري وشريح ، فيما حكاه ابن أبي شيبة وعمرو بن حريث .

وقال إبراهيم : الشريك أحق ، فإن لم يكن شريك فالجار . ورواه الشعبي مرفوعا مرسلا ، وكذا عن الحسن . وقال ابن أبي شيبة : حدثنا غندر ، عن شعبة قال : سألت الحكم وحمادا عن الشفعة فقالا : إن كانت الدار إلى جنب الدار ليس بينهما طريق ففيها شفعة .

وروى الطحاوي عن عمر أنه كتب إلى شريح أن يقضي بالشفعة للجار الملاصق .

واحتجوا بقوله - عليه السلام - : "الجار أحق بسقبه" وأباه أكثرهم وقالوا : معناه : أحق بمواساته وما توجبه المجاورة . وحديث الباب حجة لهم :

[ ص: 527 ] (إذا صرفت الطرق فلا شفعة) لأنه حينئذ يصير جارا فلم يجعل له الشفعة بجواره ، وحديث : "الجار أحق بسقبه ما كان" وإن حسنه الترمذي ، ونقل عن البخاري تصحيحه من طريق الشريد بن سويد قلت : يا رسول الله ، أرض ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلا الجوار ، فقال - عليه السلام - . . . الحديث . قال عبد الله الراوي ، عن عمرو قلت لعمرو : ما سقبه ؟ قال : الشفعة ، فقلت : زعم الناس أنها الجوار ، قال الناس يقولون ذلك ، فهذا راويه لا يرى الشفعة بالجوار ، ولا يرى لفظ ما روى يقتضيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية