التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2111 2224 - حدثنا عبدان ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا يونس ، عن ابن شهاب ، سمعت سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " قاتل الله يهودا ، حرمت عليهم الشحوم فباعوها ، وأكلوا أثمانها" . [قال أبو عبد الله : قاتلهم الله [التوبة : 30] : لعنهم قتل [الذاريات : 10] : لعن الخراصون : الكذابون] . [مسلم : 1583 - فتح : 4 \ 414]


ثم أسند حديث ابن عباس بلغ عمر أن فلانا باع خمرا ، فقال : قاتل الله فلانا ، ألم يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "قاتل الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها ؟ " .

وحديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "قاتل الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم فباعوها ، وأكلوا أثمانها" .

الشرح :

تعليق جابر أخرجاه ، وهو المذكور قبله ، ولفظه : "قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها أجملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه" .

[ ص: 558 ] وذكره ابن أبي حاتم في "علله" من حديث عبد الله بن عمرو ، وتوقف فيه .

وحديث ابن عباس أخرجه مسلم أيضا ، وسمى المبهم فقال : بلغ عمر أن سمرة باع خمرا فقال : قاتل الله سمرة ، ألم يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها" .

وقال المحب في "أحكامه" أنه جابر بن سمرة ، وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم أيضا . وقال البخاري في أخبار بني إسرائيل ، رواه أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأراد هذا .

وأخرج أبو داود حديث ابن عباس . وفيه : "إن الله إذا حرم أكل شيء حرم عليهم ثمنه" . وأجاب الخطابي عن فعل سمرة بن جندب نقلا أنه لم يبعها بعينها ، وإنما خللها متأولا ثم باعها . وإلا فلا يخفى عليه ذلك ، وكان واليا على البصرة ، أو يحمل على أنه باع العصير ممن يتخذه خمرا لكنه حرام ، وجواب ثالث : وهو أنه كان يأخذها من أهل الكتاب عن قيمة الجزية فيبيعها منهم ظنا منه جوازه . قاله ابن الجوزي نقلا عن ابن ناصر ، وكان ينبغي له أن يوليهم بيعها ، وذكر الإسماعيلي والحافظ أبو بكر في "مدخله" : أنه يجوز أن يكون لم [ ص: 559 ] يعلم تحريم بيعها ، ولو لم يكن كذلك لما أقره عمر على عمله ، ولعزله ولا رضي هذا .

وقام الإجماع على تحريم بيع الميتة لتحريم الله تعالى بقوله : حرمت عليكم الميتة [المائدة : 3] الآية .

فإن قلت : ما وجه قوله : ("فباعوها ، فأكلوا أثمانها") مع أشياء كثيرة حرم أكلها دون بيعها ، كالحمر الأهلية ، وسباع الطير كالبزاة والعقبان وأشباهها ؟

قلت : وجهه : أن الشحوم لما كانت محرمة عليهم كان من حقهم اجتناب بيعها كالخمر وشبهه .

واختلف العلماء في جواز بيع العذرة والسرقين ، فكره مالك والكوفيون بيع العذرة ، وقالوا : لا خير في الانتفاع بها ، وأجاز الكوفيون بيع السرقين ، وزبل الدواب عند مالك نجس فينبغي أن يكون كالعذرة ، وأما بعر الإبل وخثاء البقر فلا بأس ببيعه عند مالك .

وقال الشافعي : لا يجوز بيع العذرة ولا الروث ولا شيء من الأنجاس ، وشرط المبيع أن يكون طاهرا ، وانتفاع الناس بالسرقين ، وإن كان نجسا في الزراعة لا بأس به ، وكذا خلطهم إياه بالطين ، والبناء للفخار ولوقود النيران ، ولا يدل على الملكية ولا الضمان عند الاستهلاك ، خلافا لمن خالف .

وفي سماع ابن القاسم : أنه سئل عن قوم لهم خربة يرمي الناس فيها الزبل ، فأرادوا ضربه طوبا وبيعه ; ليعمروا به تلك الأرض ، قال : ذلك لهم ، وهذا على قاعدتهم .

ومعنى : "جملوه" أذابوه ، جملت الشيء ، أجمله جملا ، وأجملته واجتملته : أذبته ، والجميل : الودك .

[ ص: 560 ] قال الداودي : ومنه سمي الجمال ; لأنه يكون عن الشحم ، وليس ببين لأنه قد يكون مع الهزال ، واستدل به أصحاب مالك على سد الذرائع ; لأن اليهود توجه عليهم اللوم بتحريم أكل الثمن من جهة تحريم أكل الأصل ، وأكل الثمن ليس هو أكل الأصل بعينه ، لكنه لما كان سببا إلى أكل الأصل بطريق المعنى استحقوا اللوم ، ولهذا قال الخطابي : في هذا الحديث إبطال الحيل والوسائل التي يتوسل بها إلى المحظورات ; ليعلم أن الشيء إذا حرم عينه حرم ثمنه ، وهو حجة على ابن وهب وأبي حنيفة فيما مضى من إجازتهما بيع الزيت النجس .

واعترض بعض الملاحدة على كون الشيء حراما ويحل بيعه بما إذا ورث أمة وطئها أبوه ، فإنه يحرم على الابن وطؤها ، ويحل بيعها إجماعا وأكل ثمنها ، وهذا تمويه ; لأن الابن لا يحرم عليه منها غير الاستمتاع ، وهي مباحة للغير بخلاف الشحم ، فإن ما عدا الأكل تابع له بخلافها ، وفي عموم تحريم الميتة بيع جثة الكافر .

وقد روى ابن هشام وغيره : أن نوفل بن عبد الله المخزومي قتله المسلمون يوم الخندق فبذل الكفار في جسده لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف درهم ، فلم يأخذها ودفعها إليهم وقال : "لا حاجة لنا بجسده ولا بثمنه" .

[ ص: 561 ] وقوله : (قاتل الله فلانا) كلمة ليست على الحقيقة ، وهي : كلمة تجري على ألسنتهم من غير قصد حقيقتها ، وقالها زجرا له ، وعلم عمر أنه يكفيه ذلك فلم يأمره .

وفيه : إقالة ذوي الهيئات عثراتهم إلا في الحدود .

وقوله : ("قاتل الله اليهود") فسره أبو عبد الله في رواية أبي ذر باللعنة ، وهو قول ابن عباس ، وقال الهروي : معناه : قتلهم الله ، وحكي عن بعضهم : عاداهم .

قال الداودي : صار عدو الله فوجب قتله وسبيل فاعل أن يكون من اثنين ، ولا يكون من واحد مثل : سافرت و (طارقت) .

التالي السابق


الخدمات العلمية