التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2112 [ ص: 562 ] 104 - باب: بيع التصاوير التي ليس فيها روح وما يكره من ذلك 2225 - حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ، حدثنا يزيد بن زريع ، أخبرنا عوف ، عن سعيد بن أبي الحسن قال : كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال : يا أبا عباس ، إني إنسان ، إنما معيشتي من صنعة يدي ، وإني أصنع هذه التصاوير . فقال ابن عباس : لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ، سمعته يقول : " من صور صورة فإن الله معذبه ، حتى ينفخ فيها الروح ، وليس بنافخ فيها أبدا" . فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه . فقال : ويحك إن أبيت إلا أن تصنع ، فعليك بهذا الشجر ، كل شيء ليس فيه روح . قال أبو عبد الله : سمع سعيد بن أبي عروبة من النضر بن أنس هذا الواحد . [5963 ، 7042 - مسلم: 2110 - فتح: 4 \ 416]


ذكر فيه حديث عوف ، عن سعيد بن أبي الحسن قال : كنت عند ابن عباس إذ أتاه رجل فقال : يا أبا عباس ، إني إنسان ، إنما معيشتي من صنعة يدي ، وإني أصنع هذه التصاوير . فقال ابن عباس : لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، سمعته يقول : "من صور صورة فإن الله معذبه ، حتى ينفخ فيها الروح ، وليس بنافخ فيها أبدا" . فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه . فقال : ويحك إن أبيت إلا أن تصنع ، فعليك بهذا الشجر ، وكل شيء ليس فيه روح . قال أبو عبد الله : سمع سعيد بن أبي عروبة من النضر بن أنس هذا الواحد .

الشرح :

هذه الطريقة أعني : طريقة سعيد ، أخرجها البخاري في كتاب اللباس عن عياش ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد : سمعت النضر [ ص: 563 ] يحدث قتادة قال : كنت عند ابن عباس فذكره وروي عن هشام فيه ، فأدخل بين سعيد والنضر قتادة .

قال الجياني : ليس بشيء ; لتصريح البخاري وغيره بسماع سعيد من النضر هذا الحديث وحده وعند مسلم أيضا عن أبي غسان وأبي موسى ، عن معاذ بن هشام ، عن أبيه ، عن قتادة ، عن النضر مثله .

وسعيد بن أبي الحسن هو أخو الحسن بن أبي الحسن يسار البصري مات قبل الحسن ، قال ابن سعد : مات سنة مائة ، ومات الحسن : بعده بعشر . وقال ابن قانع : بتسع ، وليس لسعيد هذا في الصحيحين غيره ، ولا للنضر عن ابن عباس فيهما غيره .

وقد سلف في باب : آكل الربا حديث أبي جحيفة في لعن المصورين ، وفي مسلم : "كل مصور في النار ، يجعل له بكل صورة صورها نفسا فتعذبه في جهنم" .

إذا تقرر ذلك : فإنما كره هذا ; لأجل أن الصور التي فيها الأرواح كانت معبودة في الجاهلية ، فكرهت كل صورة وإن كانت لا روح لها ولا جسم ; قطعا للذريعة ، حتى إذا تقررت الشريعة وزالت الجاهلية أرخص فيما كان رقما أو ما وضع موضع المهنة ، وإذا نصب نصب العبادة كره ، قاله المهلب .

[ ص: 564 ] وقال النووي : كل ذلك حرام ، وما لا روح فيه فليس بحرام ، وإليه ذهب الثوري وأبو حنيفة ومالك وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين .

وقال بعض السلف : إنما ينهى عما كان له ظل ، ولا بأس بالصور التي لا ظل لها ، وهو مذهب باطل . وقال الزهري : النهي عن الصورة عام . وقال آخرون : يجوز منها ما كان رقما في ثوب ، وهو مذهب القاسم بن محمد .

قلت : وكأن البخاري فهم من قوله في الحديث : (إنما معيشتي من صنعة يدي) ، وأجابه ابن عباس بإباحة صور الشجر وشبهه جواز البيع ، فترجم عليه .

واغتفر بعض العلماء تصوير اللعب للبنات ; لأجل تدريبهن . قال القاضي عياض : أجمعوا على منع ما كان له ظل ووجوب تغييره ، إلا ما ورد في اللعب (النيات) لصغار البنات ، والرخصة في ذلك ، وكره مالك شرى الرجل ذلك لابنته ، وادعى بعضهم أن إباحة اللعب بهن للبنات منسوخ ، واستثنى بعض أصحاب مالك -كما حكاه القرطبي- من ذلك ، ما لا يبقى كصور الفخار والشمع وما شاكل ذلك ، وهو مطالب بدليل التخصيص ، وكانت الجاهلية تعمل أصناما من العجوة حتى إن بعضهم جاع فأكل صنمه .

[ ص: 565 ] وقوله : ("وليس بنافخ") يؤخذ منه جواز التكليف بما لا يقدر عليه ، وليس مقصود الحديث التكليف ، وإنما القصد منه تعذيب المكلف ، وإظهار عجزه عما تعاطاه مبالغة في توبيخه وإظهار قبح فعله ، كما نبه عليه القرطبي .

قال القاضي عياض : ومذهب العلماء كافة في الشجر ونحوه لا يحرم ، إلا ما روي عن مجاهد فإنه جعل الشجرة المثمرة من المكروه ، ولم يقله غيره .

قال الطحاوي : ولما أبيحت التماثيل بعد قطع رءوسها الذي لو قطع من ذي الروح لم يبق ، دل ذلك على إباحة تصوير ما لا روح فيه ، وعلمنا أن الثياب المستثناة هي المبسوطة لا ما سواها من الثياب المعلقة والملبوسة ، وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه ، وسيكون لنا عودة إلى ذلك في الصور في كتاب : الزينة إن شاء الله تعالى .

فائدة :

قوله : (فربا الرجل ربوة شديدة) أي : ذعر وامتلأ خوفا : قاله صاحب "المطالع" . وقال صاحب "العين" : يقال : ربا الرجل أصابه نفس في جوفه ، وهو الربو والربوة والربوة أي : بفتح الراء وكسرها وهو نهيج ونفس متواتر . قال ابن التين : معناه انتفخ كأنه حجل من ذلك .

[ ص: 566 ] فائدة أخرى :

صح أن أشد الناس يوم القيامة عذابا المصور ، ومقتضاه : أن لا يكون في النار أحد يزيد عذابه على عذابه ، وظاهره مخالفة قوله تعالى : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب [غافر : 46] وقوله - عليه السلام - : "أشد الناس عذابا عالم لم ينفعه الله تعالى بعلمه" وقوله : "أشد الناس عذابا يوم القيامة إمام ضلالة" في إشباه لذلك ولا مخالفة ; لأن الناس الذين أضيف إليهم "أشد" لا يراد بهم كل نوع الناس ، بل بعضهم المشاركون في ذلك المعنى المتوعد عليه بالعذاب ، ففرعون أشد المدعين للإلهية عذابا . ومن يقتدى به في ضلالة كفره ، أشد ممن يقتدى به في ضلالة بدعة ، ومن صور صورا ذات أرواح أشد عذابا ممن يصور ما ليس بذي روح ، فيجوز أن يعني بالمصورين : الذين يصورون الأصنام للعبادة ، كما كانت الجاهلية تفعل ، وكما تفعل [ ص: 567 ] النصارى ، فإن عذابهم يكون أشد ممن يصورها لا للعبادة .

ونبه على ذلك القرطبي . وقد يقال : أشد عذابا بالنسبة إلى هذه الأمة لا إلى غيرها من الكفار ، فإن صورها لتعبد أو لمضاهاة خلق الله فهو خارج عن الملة ، فلذلك زيد في عذابه .

التالي السابق


الخدمات العلمية