التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2114 [ ص: 570 ] 106 - باب: إثم من باع حرا

2227 - حدثني بشر بن مرحوم ، حدثنا يحيى بن سليم ، عن إسماعيل بن أمية ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "قال الله : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حرا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ، ولم يعط أجره" . [2270 - فتح: 4 \ 417]


ذكر فيه حديث سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "قال الله تعالى : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حرا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعط أجره" .

هذا الحديث من أفراده ، قال البيهقي : رواه النفيلي عن يحيى بن سليم فقال : (عن سعيد بن أبي سعيد) ، عن أبيه ، عن أبي هريرة .

وشيخ البخاري فيه بشر بن مرحوم ، وهو بشر بن عبيس بن مرحوم ، فمرحوم جده مولى آل معاوية ، مات سنة ثمان وثلاثين أو ثلاثين ومائتين ، انفرد به البخاري عن الخمسة .

قال البيهقي في "المعرفة" : روينا في الحديث الثابت عن المقبري عن أبي هريرة مرفوعا : "قال الله -عز وجل- : ثلاثة أنا خصمهم ، ومن كنت خصمه خصمته" .

إذا عرفت ذلك فالرب تعالى خصم لجميع الظالمين إلا أنه أراد التشديد على هؤلاء الثلاثة كما نبه عليه ابن التين ، وقد ذكر في الغادر [ ص: 571 ] أنه ينشر له لواء يوم القيامة ، والخصم يقع على الواحد والاثنين والجماعة بلفظ واحد ، وكذا المذكر والمؤنث .

وقوله : ("باع حرا") أي : عالما ، فإن كان جاهلا فلا يدخل في هذا .

ومعنى : ("أعطى بي ثم غدر") يريد نقض عهدا عاهده عليه ، قاله ابن بطال .

وقال ابن الجوزي : يعني : حلف بي ; لأنه اجترأ على الله .

وقوله : ("ورجل استأجر أجيرا" . . . إلى آخره) هو داخل في معنى "باع حرا" لأنه استخدمه بغير عوض ، وهذا عين الظلم ، وإثمه أعظم الإثم ممن باع حرا ; لأن المسلمين أكفاء في الحرمة والذمة ، وللمسلم على المسلم أن ينصره ولا يظلمه ، وأن ينصحه ولا يسلمه ، وليس في الظلم أعظم من أن يستعبده أو يعرضه إلى ذلك ، ومن باع حرا فقد منعه التصرف فيما أباح الله تعالى له ، وألزمه حال الذلة والصغار ، فهو ذنب عظيم ينازع الله به في عباده .

قال ابن المنذر : وكل من لقيت من أهل العلم على أنه من باع حرا لا قطع عليه ويعاقب ، ويروى عن ابن عباس قال : يرد البيع ويعاقبان . وروى خلاس ، عن علي أنه قال : تقطع يده . والصواب قول الجماعة ; لأنه ليس بسارق ، ولا يجوز قطع غير السارق .

[ ص: 572 ] وقال ابن حزم : لا يجوز بيع الحر ، وفيه خلاف قديم وحديث ، نورد منه -إن شاء الله- ما تيسر ليعلم مدعي الإجماع فيما هو أخفى من هذا أنه غير جيد ، ثم ذكر عن عبد الله بن بريدة أن رجلا باع نفسه ، فقضى عمر بن الخطاب بأنه عبد كما أقر على نفسه ، وجعل ثمنه في سبيل الله .

وعند ابن أبي شيبة ، عن شريك ، عن الشعبي ، عن علي قال : إذا أقر على نفسه بالعبودية فهو عبد . ومن طريق سعيد بن منصور ، ثنا هشيم ، أنا مغيرة بن مقسم ، عن النخعي فيمن ساق إلى امرأته رجلا (حرا) ، فقال إبراهيم : هو رهن بما جعل فيه حتى يفتك نفسه .

وعن زرارة بن أوفى قاضي البصرة التابعي أنه باع حرا في دين عليه ، قال : وقد روينا هذا القول عن الشافعي ، وهي قولة غريبة لا يعرفها من أصحابه إلا من تبحر في الآثار .

قلت : قد أخرجتها وذكرتها في الشروح قال : وهذا قضاء عمر وعلي بحضرة الصحابة ولم يعترضهم معترض .

قال : وقد جاء أثر في أن الحر يباع في دينه في صدر الإسلام ، إلى أن أنزل الله تعالى : وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة [البقرة : 280] روى [ابن] دينار ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باع حرا [ ص: 573 ] أفلس ، ورواه الدارقطني من حديث حجاج ، عن ابن جريج ، فقال : عن أبي سعيد أو أبي سعد ، على الشك .

ورواه البزار من حديث مسلم بن خالد الزنجي ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن البيلماني ، عن سرق أنه اشترى من أعرابي بعيرين فباعهما ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : "يا أعرابي ، اذهب فبعه حتى تستوفي حقك" فأعتقه الأعرابي .

ورواه ابن سعد عن أبي الوليد الأزرقي ، عن مسلم ، وضعفه عبد الحق بأن قال : مسلم وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيفان . وليس بجيد ; لأن مسلما وثقه غير واحد ، وصحح حديثه ، وعبد الرحمن لا مدخل له في هذا ، لا جرم أخرجه الحاكم من حديث بندار ، ثنا [ ص: 574 ] عبد الصمد بن عبد الوارث ، ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، ثنا زيد بن أسلم ثم قال : على شرط البخاري . قلت : قد يعارضه ما في "مراسيل أبي داود" عن الزهري : كان يكون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ديون على رجال ، ما علمنا حرا بيع في دين .

فائدة :

أسلفنا أن الخصم يقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد ، تقول : هو خصم ، وهما خصم ، وهم خصم ، وهو قول ثعلب في "فصيحه" . وقال الهروي : الخصم بالفتح : الجماعة من الخصوم ، والخصم بكسر الخاء : الواحد .

وقال الخطابي : الخصم هو المولع بالخصومة الماهر فيها ، وعن يعقوب : يقال للخصم خصم . وفي "الواعي" : خصيم للمخاصم والمخاصم .

وقال الفراء : كلام العرب الفصحاء أن لا يثنوا الاسم إذا كان مصدرا ولا يجمعونه ، ومنهم من يثنيه ويجمعه ، فالفصحاء يقولون : هذا خصم في جميع الحالات ، والآخرون يقولون : هذان خصمان ، وهم خصوم ، وخصماء ، وكذا ما أشبهه .

التالي السابق


الخدمات العلمية