التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
[ ص: 575 ] 107 - [باب أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود ببيع أرضيهم (ودمنهم) حين أجلاهم

فيه المقبري ، عن أبي هريرة] [فتح: 4 \ 418]


كذا في البخاري ها هنا من غير زيادة ، وربما سقط في بعض النسخ ، والحديث الذي أشار إليه خرجه في آخر الجهاد ، في باب : إخراج اليهود من حديث الليث ، عن سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، فذكره .

وفيه : "فإني أريد أن أجليكم من هذه الأرض ، فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه ، وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله" .

ولابن إسحاق : فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجليهم ويكف عن دمائهم ، على أن ما حملت الإبل من أموالهم إلا (الحلقة) ، فاحتملوا ذلك وخرجوا إلى خيبر وخلوا الأموال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكانت له خاصة يضعها حيث يشاء ، فقسمها على المهاجرين ، وهؤلاء اليهود الذين أجلاهم هم بنو النضير ، وذلك أنهم أرادوا الغدر [ ص: 576 ] برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأن يلقوا عليه حجرا ، فأوحى الله تعالى إليه بذلك فأمر بإجلائهم ، وأن يسيروا حيث شاءوا ، فلما سمع المنافقون بذلك بعثوا إلى بني النضير : اثبتوا وتمنعوا ، فإنا لن نسلمكم ، إن قوتلتم قاتلنا معكم ، وإن خرجتم خرجنا معكم . فتربصوا لذلك من نصرهم ، فلم يفعلوا ، وقذف الله في قلوبهم الرعب ; فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجليهم ويكف عن دمائهم ، فأجابهم بما أسلفناه .

فإن قلت : هذا معارض بحديث المقبري ، عن أبي هريرة ; لأن فيه : أنه - عليه السلام - أمرهم ببيع أرضيهم . وفي حديث ابن إسحاق : أنهم تركوا أرضهم بغير عوض ، وحلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فما وجه ذلك ؟

فالجواب : أنه - عليه السلام - إنما أمر ببيع أرضيهم -والله أعلم- قبل أن يكونوا له حربا ، فكانوا مالكين أرضيهم ، وكانت بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسالمة وموافقة للجيرة ، فكان يمسك عنهم لإمساكهم عنه ، ولم يكن بينهم عهد ، ثم أطلعه الله تعالى على ما يؤملون من الغدر به ، وقد كان أمره لهم ببيع أرضيهم وإجلائهم قبل ذلك فلم يفعلوا ; لأجل قول المنافقين لهم السالف : اثبتوا ، فإنا لن نسلمكم . فوثقوا بقولهم وثبتوا ولم يخرجوا ، وعزموا على مقاتلته ، فصاروا له حربا ، فحلت بذلك دماؤهم وأموالهم ، فخرج إليهم - عليه السلام - وأصحابه في السلاح وحاصروهم .

فلما يئسوا من عون المنافقين ألقى الله في قلوبهم الرعب ، وسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان عرضه عليهم قبل ذلك ، فلم يبح لهم بيع الأرض ، وقاضاهم على أن يجليهم ويتحملوا بما استثقلت به الإبل ،

[ ص: 577 ] على أن يكف عن دمائهم وأموالهم ، فجلوا عن ديارهم ، وكفى الله المؤمنين القتال ، وكانت أرضوهم وأموالهم مما لم يوجف عليها بقتال مما انجلى عنها أهلها بالرعب ، فصارت خالصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضعها حيث شاء .

قال ابن إسحاق : ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان أسلما على أموالهما فأحرزاها ، قال : ونزلت في بني النضير سورة الحشر إلى قوله : ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا [الحشر : 3] أي : بالقتل والسبي ، ولهم مع ذلك في الآخرة عذاب النار . وقوله : لأول الحشر [الحشر : 2] يعني : الشام الذي جلا أكثرهم إليه ; لأنه روى في الحديث أنه تجيء نار تحشر الناس إلى الشام ، ولذلك قيل في الشام : إنها أرض المحشر .

التالي السابق


الخدمات العلمية