التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2116 [ ص: 594 ] 109 - باب: بيع الرقيق

2229 - حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري قال : أخبرني ابن محيريز ، أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه أخبره أنه بينما هو جالس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يا رسول الله ، إنا نصيب سبيا ، فنحب الأثمان ، فكيف ترى في العزل ؟ فقال : " أوإنكم تفعلون ذلك ؟ لا عليكم أن لا تفعلوا ذلكم ، فإنها ليست نسمة كتب الله أن تخرج إلا هي خارجة" . [2542 ، 4138 ، 5210 ، 6603 ، 7409 - مسلم: 1438 - فتح: 4 \ 420] .


ذكر فيه حديث الزهري أخبرني ابن محيريز ، أن أبا سعيد الخدري أخبره أنه بينما هو جالس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - قال رجل : يا رسول الله ، إنا نصيب سبيا ، فنحب الأثمان ، فكيف ترى في العزل ؟ فقال : "أوإنكم تفعلون ذلك ؟ لا عليكم أن لا تفعلوا ذلكم ، فإنها ليست نسمة كتب الله أن تخرج إلا وهي خارجة" .

هذا الحديث أخرجه البخاري في موضع آخر وقال : ابن محيريز هو عبد الله بن محيريز أبو محيريز الجمحي . قلت : وجده جنادة بن وهب بن لوذان بن سعد بن جمح ، مات بالشام في خلافة عمر بن عبد العزيز .

[ ص: 595 ] وللنسائي : سأل رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العزل ، فقال : إن امرأتي ترضع وأنا أكره أن تحمل ، فقال : ما قدر في الرحم سيكون . وفي الباب عن جابر (د . ت) وغيره ، كما سيأتي في بابه . وروى حديث الباب موسى بن عقبة ، عن ابن محيريز ، عن أبي سعيد ، فقال : أصبنا سبيا من سبي هوازن ، وذلك يوم حنين سنة ثمان . ووهم ابن عقبة في ذلك ورواه أبو إسحاق السبيعي ، عن أبي الوداك ، عن أبي سعيد قال : لما أصبنا سبي حنين سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العزل فقال : "ليس من كل الماء يكون الولد" ورواه مسلم من حديث علي بن أبي طلحة ، عن أبي الوداك بلفظ : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العزل . لم يذكر سبي حنين ولا غيره ، وكذا ما ذكره أبو عمر من رواية موسى بن عقبة ، عن ابن محيريز ذكره مسلم ، ولم يذكر فيه سبي [ ص: 596 ] أوطاس ولا غيره ، وإنما ذكر مسلم يوم أوطاس من حديث أبي علقمة ، عن أبي سعيد في قصة تحرج أصحابه من وطء السبايا من أجل أزواجهن ، وهي قصة أخرى في زمن آخر غير زمان بني المصطلق التي في الخامسة ، والصحيح في الأول رواية من روى بني المصطلق .

وقوله : "فنحب الأثمان" .

فيه : دلالة على عدم جواز بيع أمهات الأولاد ; لأن العمل منهن يمنع الفداء والثمن ، وهو حجة على داود وغيره ممن يجوز بيعهن ، وسيأتي بسطه في موضعه . وفي لفظ : (وأحببنا الفداء) .

وقوله : ("أوإنكم تفعلون ذلك ؟ ") على التعجب منه يقول : وقد فعلتم ؟ !

وقوله : ("لا عليكم أن لا تفعلوا") . قال الداودي : هو أقرب إلى النهي . وقال المبرد : لا بأس عليكم أن تفعلوا ، ومعنى (لا) الثانية : طرحها .

و (النسمة) : النفس وكل ذات روح ، والنسم : الأرواح . أي : ليس ذو نسمة ، ويراد بها الذكر والأنثى .

قال القزاز : كل إنسان نسمة ، ونفسه نسمة .

وقوله : ("إلا وهي خارجة") أي : جف القلم بكل ما يكون .

وفيه : دلالة على أن الولد يكون مع العزل ; ولهذا صحح أصحابنا أنه لو قال : وطئت وعزلت ، لحقه على الأصح .

[ ص: 597 ] وما ترجم له من بيع الرقيق ظاهر كبيع سائر المباحات ، وهي داخلة في عموم قوله تعالى وأحل الله البيع [البقرة : 275] .

تنبيهات :

أحدها : قد أسلفنا أن الحديث حجة على داود في إجازته بيع أمهات الأولاد ، ووجهه أنه لولا أن الحمل يبطل الثمن لم يقرهم على هذا الاعتقاد ، وتكلف الحيلة له ، ولقال لهم : وأي حاجة إلى العزل ، والبيع يجوز ، وانفصل المحتج لداود بأنه قال : ظاهره أنهم كانوا يريدون الفداء ، فإذا حملن تعذر ذلك حتى يضعن ، وإلا صار أولادهم في أيدي الكفار ، ولعل العرب الذين كان ذلك السبي منهم إذا حملن من المسلمين لا يفدونهم ، أو يفدونهم بقليل الثمن ، فعن هذا سألوا ، لا على أن الإيلاد يمنع بيعهن .

ثانيها : وطء المسبية والالتذاذ بها موقوف على القسمة والاستبراء ، فكيف أرادوا وطأهن ؟ ولعلهم إنما سألوا ذلك ; لاشتداد العزبة ، وظنوا أن وطأهن دون الفرج مباح إذا اجتنبوا موضع الولد ، فأعلم أن الماء ربما سبق إلى الفرج ، فيكون منه الولد وإن عزل ، ليبين لهم حكم العزل ، وإذا حمل على ذلك لم يدل على منع بيعهن .

ثالثها : كان ذلك في غزوة بني المصطلق -كما مر- وكانت سنة ست ، أو خمس ، أو أربع ، واختلف : هل كانوا أهل كتاب أم لا ؟ على قولين ، قال أبو محمد الأصيلي : كانوا عبدة أوثان ، وإنما جاز [ ص: 598 ] وطؤهن قبل نزول ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن [البقرة : 221] وقال الداودي : كانوا أهل كتاب ، فلم يحتج فيهن إلى ذكر الإسلام . قال ابن التين : والظاهر الأول ; لقوله في بعض طرقه : فأصبنا سبيا من سبي العرب . ثم نقل عن الشيخ أبي محمد أنه كان أسر من بني المصطلق أكثر من سبعمائة ، ومنهم جويرية بنت الحارث أعتقها وتزوجها . فلعله لما دخل بها سألته في الأسرى ، فوهبهم لها .

رابعها : حكم العزل عندنا : إن كانت أمة جاز قطعا على ما ادعاه الرافعي ، وإن كان حكى في "البحر" وجها ، وأما الزوجة فالأصح جوازه بكره ، ومنهم من جوزه عند إذنها ، ومنعه عند عدمه . وذكر بعض العلماء أربعة أقوال فيه : الجواز كمذهبنا ، والمنع ، ومذهب مالك جوازه في التسري ، وفي الحرة موقوف على إذنها ، وسيد الأمة .

(خامسها) : يجوز برضا الموطوءة كيف كانت ، حكاها كذلك ابن التين .

حجة من أجاز حديث جابر : كنا نعزل والقرآن ينزل ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلم ينهنا .

وحجة من منع أنه - عليه السلام - لما سئل عنه قال : "ذلك الوأد الخفي" .

التالي السابق


الخدمات العلمية