التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2121 [ ص: 612 ] 112 - باب: بيع الميتة والأصنام

2236 - حدثنا قتيبة ، حدثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عام الفتح وهو بمكة : " إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام" . فقيل يا رسول الله ، أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن ، ويدهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس . فقال : "لا ، هو حرام" . ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك : " قاتل الله اليهود ، إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه" .

قال أبو عاصم : حدثنا عبد الحميد ، حدثنا يزيد : كتب إلي عطاء : سمعت جابرا رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . [4296 ، 4633 - مسلم: 1581 - فتح: 4 \ 424]


ذكر فيه حديث يزيد بن أبي حبيب ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر : أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عام الفتح وهو بمكة : "إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام" . فقيل يا رسول الله ، أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ، ويدهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس ؟ فقال : "لا ، هو حرام" . ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك : "قاتل الله اليهود ، إن الله لما حرم شحومها أجملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه" .

وقال أبو عاصم : ثنا عبد الحميد ، ثنا يزيد قال : كتب إلي عطاء : سمعت جابرا ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الخمر .

الشرح :

حديث جابر أخرجه مسلم ، وتعليق أبي عاصم أخرجه مسلم عن [ ص: 613 ] محمد بن مثنى ، عن أبي عاصم به ، وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل .

و (عبد الحميد) (م . الأربعة) هو ابن جعفر بن عبد الله بن أبي الحكم رافع بن سنان حليف الأنصار ، مات سنة ثلاث وخمسين ومائة بالمدينة ، حدث هو وابنه (سعد) (د . ت . س . ق) ، وأبوه (جعفر) (م . الأربعة) ، وجده أبو الحكم (رافع) (م . والأربعة) وله صحبة ، وابن عمه عمر بن الحكم بن رافع بن سنان ، وهو من ولد الفطيون من ولد مخرق بن عمرو مزيقيا ، وقيل : الفطيون من اليهود ، وليس من ولد مخرق كان يهوديا وولده فخذ على حدتهم يهود بالمدينة منفردون عن سائر بني مخرق ، وقيل : إنه ليس من ولد الفطيون وقد طعن في نسبهم ، إذا علمت ذلك فالإجماع قائم على أنه لا يجوز بيع الميتة والأصنام ; لأنه لا يحل الانتفاع بها ووضع الثمن فيها إضاعة مال وقد نهي عن إضاعته .

قال ابن المنذر : فإذا أجمعوا على تحريم بيع الميتة فبيع الكافر من أهل الحرب كذلك ، وقد سلف فيه حديث ، فإن قلت : فما وجه الجواب المذكور لما سئل عن شحوم الميتة ، فأجاب بما ذكره ؟

فالجواب أن وجهه أنه كان عن مسألته عن بيع الشحوم لا عن دهن الجلود والسفن ، وإنما سأله عن بيع ذلك إذ ظنه جائزا . من أجل ما فيه [ ص: 614 ] من المنافع كما جاز بيع الحمر الأهلية لما فيها من المنافع وإن حرم أكلها فظن أن شحوم الميتة مثل ذلك يحل بيعها وشراؤها ، وإن حرم أكلها ، فأخبره - عليه السلام - أن ذلك ليس كالذي ظن وأن بيعها حرام وثمنها حرام إذ كان نجسة نظيره الدم والخمر فيما يحرم من بيعها وأكل ثمنها ، فأما الاستصباح ودهن السفن والجلود بها فهو بخلاف بيعها وأكل ثمنها إذا كان ما يدهن بها من ذلك يغسل بالماء غسل الشيء الذي أصابته النجاسة ، فيظهره الماء هذا قول عطاء بن أبي رباح وجماعة من العلماء ، وممن أجاز الاستصباح بما تقع فيه الفأرة علي وابن عباس وابن عمر كما سيأتي واضحا في الذبائح في باب إذا وقعت الفأرة في سمن جامد أو ذائب ، وقال القرطبي : اختلف في جواز بيع كل محرم نجس فيه منفعة كالذبل والعذرة ، فمنع من ذلك الشافعي ومالك وأجازه الكوفيون والطبري ، وذهب آخرون إلى إجازة ذلك من المشتري دون البائع ، ورأوا أن المشتري أعذر من البائع ; لأنه مضطر إلى ذلك ، روي ذلك عن بعض أصحابنا .

وقوله : ("إن الله ورسوله حرم") فيه جواز قوله ذلك ، وقال بعض الناس : إنما يقال : إن الله ثم رسوله ولا ينسق عليه ; لأن التقدير أن الله حرم ورسوله حرم كقوله : نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف . وقال الداودي : إنما وجد .

وقوله : ("حرم") إنما قال : "حرم" ولم يقل : حرما يعني : أن الله حرم على لسان رسوله - عليه السلام - ، فأخلص ذلك لله ; لأنه إنما يقوله بأمره ، وبيع الخمر حرام بالإجماع كما سلف ، ولا شيء في إراقتها لذمي [ ص: 615 ] عندنا خلافا لمالك ، ووافقنا عبد الملك ، والميتة تعم جميع ما احتوت عليه من قرن ولحم ودم وعظم وجلد ، لا أن الجلد إذا دبغ ينتفع به كما سلف والخنزير قد سلف حكمه ، وسلف حكم شعره ، والأصنام لا يصح بيعها وإن كانت من جوهر نفيس ، وقال ابن التين : بيعها ما دامت مصورة ممنوع ، وإذا طمست صورها جاز بيعها كانت فضة أو نحاسا أو حجرا ، والنهي في الشحوم منصب عند أكثر العلماء إلى البيع دون الانتفاع وأجاز أبو حنيفة بيع شحوم الميتة وخالف الحديث ، ونحا إليه ابن وهب وسلف ، واستدل الخطابي بجواز الانتفاع بإجماعهم أن من ماتت له دابة ساغ له إطعامها لكلابه ، فكذلك الدهن وظاهر كلام عبد الملك منعه وأجمله : لغة في جمله كما سلف .

التالي السابق


الخدمات العلمية