التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2124 [ ص: 618 ] [ ص: 619 ] 35

كتاب السلم

[ ص: 620 ] [ ص: 621 ] بسم الله الرحمن الرحيم

35 - كتاب السلم

1 - باب: السلم في كيل معلوم

2239 - حدثنا عمرو بن زرارة ، أخبرنا إسماعيل ابن علية ، أخبرنا ابن أبي نجيح ، عن عبد الله بن كثير ، عن أبي المنهال ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، والناس يسلفون في الثمر العام والعامين -أو قال : عامين أو ثلاثة . شك إسماعيل- فقال : " من سلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ، ووزن معلوم" .

حدثنا محمد ، أخبرنا إسماعيل ، عن ابن أبي نجيح بهذا : "في كيل معلوم ووزن معلوم" . [2240 ، 2241 ، 2253 - مسلم: 1604 - فتح: 4 \ 428]


ذكر فيه حديث ابن أبي نجيح ، عن عبد الله بن كثير ، عن أبي المنهال ، عن ابن عباس قال : قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، والناس يسلفون في الثمر العام والعامين- أو قال : عامين أو ثلاثة . شك إسماعيل -يعني ابن علية- فقال : "من سلف في تمر فليسلف في [ ص: 622 ] كيل معلوم ووزن معلوم" .

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا ، وزاد : "إلى أجل معلوم ، وفي لفظ : "من أسلف" ، وفي لفظ "من سلم" . وفي رواية للبخاري : "من أسلف في شيء" .

و (ابن أبي نجيح) اسمه عبد الله بن يسار مولى الأخنس ، مكي ، مات سنة إحدى أو اثنتين وثلاثين ومائة .

و (أبو المنهال) اسمه عبد الرحمن بن مطعم ، بصري ، نزل مكة .

وقول البخاري بعده : (حدثنا محمد ، ثنا إسماعيل) ، محمد هو ابن سلام البيكندي ، كذا بخط الدمياطي ، وسبقه إليه أبو علي الجياني حيث قال : لم ينسبه أحد من الرواة ، والذي عندي في هذا : أنه محمد بن سلام . وذكر أبو نصر : أن ابن سلام روى عن ابن علية .

و (عبد الله بن كثير) هو أخو كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة الحارث بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن سهل السهمي المكي القاص ، اتفقا عليهما ، وليس هو بابن كثير القارئ ، وليس له في البخاري غير هذا [ ص: 623 ] الحديث ، وذكر له مسلم حديثا آخر في الجنائز ، رواه عنه ابن جريج .

وأما ابن التين فقال نقلا عن أبي الحسن القابسي وغيره : هو عبد الله بن كثير أحد القراء السبعة ، وليس له في البخاري غير هذا الحديث ، وليس لأحد فيه رواية من القراء السبعة إلا هو وابن أبي النجود في المتابعة ، قال : وقوله هذا غير صحيح ، وإنما هو ما تقدم ، وهو أبو معبد القاري ، ووقع في "المدونة" : عبد الله بن أبي كثير ، وغلط فيه ، وصوابه : حذف أبي .

إذا عرفت ذلك فالسلم والسلف بمعنى ، سمي سلما لتسليم رأس المال في المجلس ، وسلفا لتقدمه ، ويطلق أيضا على القرض كما قاله الأزهري .

قال الماوردي : والسلم لغة حجازية ، والسلف لغة عراقية .

قلت : قد ثبتا في الحديث كما ذكرته لك . وفي "غريب الحديث" للخطابي أن ابن عمر كان يكره أن يقال : السلم بمعنى السلف ، وكان يقول : الإسلام لله ، ضن بالاسم الذي هو موضوع للطاعة أن يمتهن في غيرها ، وصيانة عن أن يبذل فيما سواها .

[ ص: 624 ] وأخرجه البيهقي في "سننه" أيضا موقوفا على ابن عمر أنه كان يكره هذه الكلمة : أسلم في كذا وكذا ، ويقول : لرب العالمين .

والسلم هو المراد بقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى [البقرة : 282] .

قال ابن عباس : المراد به السلم ، ويحتمل كما قال الشافعي أن المراد بها : كل دين ، فلا يدل على خصوصيته بالسلم ، وحقيقته في الشرع : إسلام شيء حاضر في غائب بلفظه ، وقام الإجماع على أنه لا يجوز السلم إلا في كيل معلوم أو وزن معلوم ، فيما يكال أو يوزن ، وأجمعوا أنه إذا كان السلم فيما لا يكال ولا يوزن أنه لا بد فيه من عدد معلوم ، وأجمعوا أنه لا بد من صفة الشيء المسلم فيه .

ويدخل في قوله : "كيل معلوم ووزن معلوم" ; إذ العلم بهما يستلزمه .

وقال ابن حزم : لا يجوز السلم إلا في مكيل أو موزون فقط ، ولا يجوز في حيوان ، ولا في مذروع أو معدود ، ولا في شيء غير ما ذكر ، قال : وكرهت طائفة السلم ، روي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أنه كان يكره السلم كله ، قال : وأباح أبو حنيفة ومالك السلف في العدد والمذروع من الثياب بغير ذكر وزنه ، ومنعا من السلف حالا ، وجوزه الشافعي حالا ; لأنه إذا جاز مؤجلا فالحال أجوز .

والحديث سيق لبيان العلم بالأجل ، وأجاز السلم في كل شيء قياسا على المكيل والموزون ، قال : والأجل ساعة فما فوقها .

[ ص: 625 ] وقال بعض الحنفية : لا يكون أقل من نصف يوم . وقال بعضهم : لا يكون أقل من ثلاثة أيام .

وقال المالكيون : يكره أقل من يومين .

وقال الليث : خمسة عشر يوما . قلت : ورواية ابن القاسم عن مالك : ما تتغير فيه الأسواق . ورواية ابن عبد الحكم عنه : أنه لا بد فيه من الأجل وإن كان أياما يسيرة .

واختلف في السلم في البيض ، فلم يجزه أبو حنيفة ، وأجازه مالك بالعدد ، وفي اللحم أجازه الشافعي ومالك ، ومنعه أبو حنيفة ، وكذلك السلم في الرؤوس والأكارع منعه أبو حنيفة ، وأجازه مالك ، واختلف فيه قول الشافعي ; والسلم في الدر والفصوص أجازه مالك ، ولم يتعرض في الحديث لموضع القبض ، وليس بشرط عند مالك وأحمد وإسحاق وأبي ثور ، ولو كان شرطا لبينه ، وقال بعض الناس : لا يجوز حتى يسميه .

وقال القاضي في : "معونته" : الأولى أن يسمي ، فإن أطلق جاز ولزم الموضع الذي عقد فيه ، وأجري لهم عرف في قبض سلمهم .

[ ص: 626 ] ونقل ابن بطال عن مالك : أنه إن لم يذكر الموضع جاز السلم ، ويقبضه في المكان الذي كان فيه السلم ، فإن اختلفا في الموضع فالقول قول البائع .

وقال الثوري وأبو حنيفة : لا يجوز فيما له حمل ومؤنة إلا أن يشترط في تسليمه مكانا معلوما . وعند الشافعية : أنه إذا أسلم بموضع لا يصلح للتسليم أو يصلح ولحمله مؤنة لا بد من اشتراط بيان محله وإلا فلا .

وقوله : (يسلفون في الثمر العام والعامين) فيه إجازة السلم فيه ، وإن لم يكن ذلك الوقت موجودا إذا وجد في وقت يحل فيه السلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية