التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2130 2246 - حدثنا آدم ، حدثنا شعبة ، أخبرنا عمرو قال : سمعت أبا البختري الطائي قال : سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن السلم في النخل . قال : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع النخل ، حتى يؤكل منه ، وحتى يوزن . فقال الرجل وأي شيء يوزن ؟ قال رجل إلى جانبه : حتى يحرز .

وقال معاذ : حدثنا شعبة ، عن عمرو ، قال أبو البختري : سمعت ابن عباس رضي الله عنهما : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - . مثله . [2248 ، 2250 - مسلم: 1537 - فتح: 4 \ 431]


ذكر فيه حديث محمد بن أبي المجالد السالف وفيه : هل كان [ ص: 631 ] أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عهده يسلفون في الحنطة ؟ وقال عبد الله : كنا نسلف نبيط أهل الشأم في الحنطة والشعير والزبيب ، في كيل معلوم إلى أجل معلوم . قلت : إلى من كان أصله عنده ؟ قال : ما كنا نسألهم عن ذلك .

وكذا قال ابن أبزى ، ولم نسألهم : ألهم حرث أم لا ؟ وفي رواية : وقال : "والزيت" .

ورواه عن محمد هذا شعبة في الباب قبله .

وهنا الشيباني وهو : سليمان -كما ذكره بعد في باب : السلم إلى أجل معلوم- . بن أبي سليمان : فيروز ، وقيل : خاقان مولى شيبان بن ثعلبة ، مات بعد الأربعين ومائة أو قبيلها .

وأبو عمرو الشيباني منسوب إلى ذهل بن شيبان بن ثعلبة ، واسمه : سعد بن إياس . ورواه وكيع ، عن شعبة ، به ، وفيه : لا ندري عند أصحابه منه شيء أم لا .

وقول البخاري : (حدثنا إسحاق) : هو ابن شاهين الواسطي ، مات بعد الخمسين ومائتين .

وذكر فيه أيضا عن ابن عباس أنه سئل عن السلم في النخل ، فقال : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع النخل حتى يؤكل منه وحتى يوزن ، فقال رجل إلى جانبه : حتى يحزر .

[ ص: 632 ] وهو في مسلم أيضا ، وقال : سألته عن بيع النخل واعترض ابن بطال ، فقال : هذا الحديث ليس من هذا الباب ، وإنما هو من الباب الذي بعده ، وغلط فيه الناسخ .

قلت : لم يغلط فيه ، قال ابن المنير : التحقيق أنه من هذا الباب ، وقل من يفهم ذلك إلا مثل البخاري ، ووجهه : أن ابن عباس لما سئل عن السلم إلى من له نخل في ذلك النخل ، عد ذلك من قبيل بيع الثمار قبل بدو صلاحها ، فإذا كان السلم في النخيل لا يجوز ، لم يبق في وجودها في ملك المسلم إليه فائدة متعلقة بالسلم ، فيصير جواز السلم إلى من ليس عنده أصل ، ولا يلزم سد باب السلم ، وإنما كره السلم إلى من ليس عنده أصل ; لأنه جعله من باب الغرر . وأصل السلم أن يكون إلى من عنده مما يسلم فيه أصل ، إلا أنه لما وردت السنة في السلم بالصفة المعلومة والكيل والوزن والأجل المعلوم كان ذلك عاما فيمن عنده أصل ، وفيمن ليس عنده ، وجماعة الفقهاء يجيزونه إلى من ليس عنده أصل ، وحجتهم حديث الباب ، وهو نص فيه ، وزعم أنه لا يجوز سلم من لا أصل له ، وليس من شرطه عند مالك أن يكون المسلم فيه موجودا- حال العقد خلافا لأبي حنيفة وإنما من شرطه أن يكون موجودا حال حلوله .

وفيه : من الفقه جواز السلم في العروض إلى من ليس عنده ما باع بالسلم ، ولو كان عندما باع ما حل البيع ; لأنه بيع شيء معين لم يقبض إلى مدة طويلة ، وهذا لا يجوز بإجماع كما قاله المهلب .

[ ص: 633 ] وفيه : مبايعة أهل الذمة والسلم إليهم ، وإباحة السلم في السمن والشيرق ، وما أشبه ذلك ، إذ هو في معنى الزيت .

فائدة : قوله : (نبيط أهل الشام) ، ويأتي : (أنباط من أنباط الشام) هم نصارى الشام الذين عمروها ، قال الجوهري : نبط الماء ينبط نبوطا : نبع فهو نبيط للذي ينبط من قعر البئر إذا حفرت ، وأنبط الحفار بلغ الماء . والاستنباط : الاستخراج والنبط والنبيط قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين ، والجمع أنباط ، يقال : رجل نبطي ونباطي ونباط ، وحكى يعقوب : نباطي بالنون المضمومة ، وقد استنبط الرجل .

فائدة ثانية : قوله : (ليحرز) ، جعل الحزر وزنا تمثيلا له ، فإن يخبر بالخرص عن مقدار ، كأنه وزنه ، وفائدة الخرص إذا اشتد وصلح للأكل وأمنه من العاهة أن يعلم كمية حقوق الفقراء قبل أن يأكل منه أربابه ، ثم يخلى بينهم وبينه ، ثم يؤخر العشر بالخرص . قال الخطابي : وقوله : (حتى يوزن) معناه : حتى يخرص ، وسماه وزنا ; لأن الخارص يحزرها ويقدرها ، فيحل ذلك محل الوزن لها . والمعنى في النهي عن بيعها قبل الخرص شيئان :

أحدهما : تحصين الأموال ، وذلك أنها في الغالب لا تأمن العاهة إلا بعد الإدراك ، وهو أوان الخرص .

الثاني : أنه إذا باعها قبل بدوه على القطع سقط حقوق الفقراء ; لأن الله سبحانه أوجب إخراجها وقت الحصاد .

التالي السابق


الخدمات العلمية