التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2132 2249 - 2250 - حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، عن عمرو ، عن أبي البختري : سألت ابن عمر رضي الله عنهما عن السلم في النخل ، فقال : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمر حتى يصلح ، ونهى عن الورق بالذهب نساء بناجز .

وسألت ابن عباس ، فقال : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع النخل حتى يأكل أو يؤكل ، منه ، وحتى يوزن . قلت : وما يوزن ؟ قال رجل عنده : حتى يحرز . [انظر : 2246 - مسلم: 1537 - فتح: 4 \ 432]


ذكر فيه حديث عمرو ، عن أبي البختري قال : سألت ابن عمر عن السلم في النخل ، فقال : نهي عن بيع النخل حتى يصلح ، وعن بيع الورق نساء بناجز .

وسألت ابن عباس عن السلم في النخل ، فقال : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع النخل حتى يؤكل منه ، أو يأكل منه ، وحتى يوزن .

وفي رواية : سألت ابن عمر عن السلم في النخل فقال : نهى عمر عن بيع التمر حتى يصلح ، ونهى عن الورق بالذهب نساء بناجز ، وسألت ابن عباس قال : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع النخل حتى يأكل [ ص: 635 ] أو يؤكل ، وحتى يوزن . قلت : ما يوزن ؟ قال رجل عنده : حتى يحزر . حديث ابن عباس سلف .

وعمرو هو : ابن مرة بن عبد الله المرادي الجملي الكوفي ، مات سنة ست عشرة ومائة ، وقيل : سنة ثماني عشرة ، وكان أعمى . وأبو البختري : سعيد بن فيروز ، أو ابن جبير أو سعد قتل في الجماجم سنة ثلاث وثمانين ، وقال الهيثم : قتل يوم دحيل سنة إحدى وثمانين .

إذا عرفت ذلك . فقد اختلف العلماء في هذا الباب فقال الكوفيون والثوري والأوزاعي : لا يجوز السلم إلا أن يكون المسلم فيه موجودا في أيدي الناس من حين العقد إلى وقت حلول الأجل ، فإن انقطع في شيء من ذلك لم يجز ، وهو مذهب ابن عمر وابن عباس على ما ذكره البخاري في الباب .

وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور : يجوز السلم فيما هو معدوم من أيدي الناس ، إذا كان مأمون الوجود عند حلول الأجل في الغالب ، فإن كان حينئذ ينقطع لم يجز .

احتج الأولون بأنه - عليه السلام - نهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها ، وعن بيع ما لم يخلق ، وقالوا : من مات فقد حل دينه ، وإن لم يوجد كان غررا ، وهو فاسد ، كما قال ابن القصار ; لأنه قد يحل الأجل ويتعذر السلم بأن يموت المسلم إليه أو يفلس ، ولو وجب أن يمنع السلم [ ص: 636 ] لجواز ما ذكروه لوجب أن لا يجوز بيع شيء نسيئة ; لأنه قد يطرأ على المشتري الموت والفلس قبل محل الأجل ، فلا يصل صاحب الحق إلى ماله ، فيكون هذا غررا ، ولكنه جائز ; لأن الناس يدخلون في وقت العقد على رجاء السلامة ، ولم يكلفوا مراعاة ما يجوز أن يحدث ويجوز ألا يحدث .

ولو أسلم في شيء إلى شهر فإن وقت المطالبة بالمسلم فيه هو رأس الشهر ، بدليل أن الشيء لو كان موجودا قبل الشهر لم يكن له المطالبة ولا للمسلم إليه أن يجبره على مراعاة وجوده قبل المحل وحين العقد ; لأن وجوده كعدمه ، ولو كان المسلم فيه موجودا طول السنة إلا يوم القبض فأسلم فيه إلى سنة ، كان هذا السلم باطلا بإجماع .

وإن كان موجودا عند العقد وطول السنة ; لأن حين المحل والقبض معدوم ، فعلم بهذا الاعتبار بوجوده حين القبض لا حين العقد ، والدليل على هذا أنهم كانوا يسلفون في عهده - عليه السلام - التمر في السنة والسنتين ، ومعلوم أنه إذا أسلم في التمر سنة ، فإنه يتخلل الأجل زمان ينقطع فيه التمر ، وهو زمن الشتاء ، ثم إنه - عليه السلام - أقرهم على ذلك ولم ينكر عليهم السلف في سنة وأكثر ، فثبت ما قلناه .

وأما نهيه - عليه السلام - عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ، فهو محمول عندنا على أن بيع الثمرة عينا لا يجوز إلا بعد بدو صلاحها ، وفي السلم ليس عند العقد ثمرة موجودة عند البائع تستحق اسم البيع حقيقة ، وحديث النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها مرتب على السلم ، تقديره : أنه نهى عن بيعها حتى يبدو صلاحها ، إلا أن يكون سلما : لحديث ابن عباس : أنهم كانوا يسلفون في التمر السنتين والثلاث ، وذلك بيع له قبل أن يبدو صلاحه وقبل أن يخلق ، فإذا جاز [ ص: 637 ] السلم في الثمرة فقد جاز في الرطب ، والرطب لا يوجد في سائر السنة كما يوجد التمر ، فلا معنى لقولهم .

وقال ابن التين : قول ابن عباس في السلم في النخل ، وذكره لنهي الشارع عن بيع النخل حتى يؤكل واضح ، وهو الذي كان يفعله أهل المدينة أن يسلفوا في تمر نخلة بعينه ، فأمرهم الشارع أن يسلفوا في كيل المعلوم ، فإذا أسلم في ثمرة معينة فهو شراء ، ولا يجوز إلا بعد الزهو ، وجائز أن يتأخر خمسة عشر يوما [ما] لم ييبس ; لضرورة الناس إلى أخذه شيئا فشيئا ، والضرورة أباحته .

التالي السابق


الخدمات العلمية