التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2136 2254 ، 2255 - حدثنا محمد بن مقاتل ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا سفيان ، عن سليمان الشيباني ، عن محمد بن أبي مجالد ، قال : أرسلني أبو بردة وعبد الله بن شداد إلى عبد الرحمن بن أبزى وعبد الله بن أبي أوفى فسألتهما عن السلف . فقالا : كنا نصيب المغانم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكأن يأتينا أنباط من أنباط الشأم فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب إلى أجل مسمى . قال : قلت : أكان لهم زرع ؟ أو لم يكن لهم زرع ؟ قالا : ما كنا نسألهم عن ذلك . [2242 ، 2243 - فتح: 4 \ 434]


ثم ساق حديث ابن عباس السالف ولفظه : "أسلفوا في الثمار في كيل معلوم إلى أجل معلوم" .

ثم ذكر حديث محمد بن أبي مجالد ، السالف وفي آخره : قلت : أكان لهم زرع ؟ أو لم يكن لهم زرع ؟ قال : ما كنا نسألهم عن ذلك .

ورواية من سكت عن الوزن لا تعارض من صرح به ; لأنها زيادة من ثبت ، فقبلت .

[ ص: 641 ] وأثر ابن عباس أخرجه الشافعي ، عن سفيان ، عن أيوب ، عن قتادة ، عن أبي حسان مسلم الأعرج ، عن ابن عباس قال : أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى ، أن الله أحله وأذن فيه وقرأ يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم [البقرة : 282] الآية ، ورواه ابن أبي شيبة ، عن وكيع ، عن هشام ، ثنا قتادة .

[ ص: 642 ] وأثر أبي سعيد أخرجه البيهقي من حديث نبيح العنزي عنه : السلم كما يقوم السعر ربا ولكن قيل معلوم إلى أجل معلوم .

وأثر ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن نمير ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عنه . وأخبرنا ابن أبي زائدة ، عن حجاج ، عن وبرة قال : قال ابن عمر : لا بأس بالسلم إذا كان في كيل معلوم إلى أجل معلوم . ورواه ابن بكير ، عن مالك ، عن نافع ، عن مولاه قال : يريد -والله أعلم- أن يسلفه في زرع بعينه أو ثمره بعينه ، فلا يجوز ; لأن بيع أعيان الثمار على رءوس الأشجار إنما يجوز إذا بدا فيها الصلاح .

واختلف العلماء في أجل السلم ، فقال مالك والكوفيون وجمهور الفقهاء كما نقله ابن بطال عنهم أنه لا يجوز السلم الحال ، ولا بد فيه من أجل معلوم . وقد أسلفنا رواية ابن القاسم وابن عبد الحكم ، عن مالك .

[ ص: 643 ] وقال الشافعي وأبو ثور : يجوز السلم بغير ذكر الأجل أصلا .

وانتصر ابن بطال وقال : هذا خلاف الحديث ; لأنه - عليه السلام - قال : "من أسلم" فأتى بلفظ العموم ، وقد سلف جوابه ، وأيضا فإنه أحل الأجل محل الكيل والوزن ، وقرنه بينهما ، فلما لم يجز العقد إذا عدم صفة الكيل والوزن ، فكذلك الأجل يجب اعتباره ، كما لو قال : صل على صفة كذا لم يجز العدول عنها .

احتج الشافعي أن السلم بيع من البيوع ، وهي تجوز بثمن معجل ومؤجل ، فكذا هو ، قيل : إنه ينتقض بجواز السلم في المعدوم ، وهو يجوز مؤجلا فقط ، وإنما لم يجز ابن عمر السلم في زرع لم يبد صلاحه ; لأنه سلم في عين ، وحكم السلم أن لا يكون في عين معلومة ، وإنما يكون في الذمة لا ينفسخ بموت أحد العاقدين في السلم ، ولا بجائحة تنزل ، وهذا مذهب أهل الحجاز ، إلا أن مالكا أجاز السلم في طعام بلد بعينه إذا كان الأغلب فيه أنه لا يخلف .

ولم يختلف العلماء أنه لا يجوز أن يكون السلم في قمح فدان بعينه ; لأنه غرر ، ولا يدرى هل يتم زرعه أم لا ، ويجوز عند جميعهم أن يكون السلم في زمن يكون فيه الزرع قد بدا صلاحه إذا لم يكن يعين زرعا ما ، فإن أسلم في ثمر حائط بعد طيبه أو في زرع بعدما أدرك ، فعن ابن القاسم أنه كرهه ، وإن مات لم يفسخ ، وليس بالحرام البين ، ولا يجوز عند سائر الفقهاء ; لأنه كبيع عين اشترط فيها تأخير القبض ، وهو لا يجوز ; لأنه من شرط البيع تسليم المبيع .

وفي قوله : ("أسلموا في الثمار") إجازة السلم في الثمار كلها ; [ ص: 644 ] لعموم لفظه ، وهو قول ابن عمر : لا بأس بالسلم في الطعام بسعر معلوم ، فإن العلماء اختلفوا في رأس مال السلم ، فقال مالك : لو أسلم إليه عروضا أو تبرا أو فضة مكسورة جزافا ، صح السلم ، ولا يجوز أن يسلم إليه دينارا أو دراهم فرق بين التبر والدراهم والدنانير ; لأن التبر بمنزلة الثوب والسلعة عنده .

وقال أبو حنيفة : لا يسلم إليه تبر جزافا ، ولا شيء مما يكال أو يوزن جزافا ، وهو أحد قولي الشافعي . وقال أبو يوسف ومحمد : يجوز أن يسلم إليه الدراهم والدنانير ، وكل ما يكال أو يوزن جزافا ، وهو الأظهر من قولي الشافعي ، كثمن المبيع ، ووجه مقابله أنه قد ينقطع ، ويكون رأس المال تالفا ، فلا يدرى بم يرجع ؟ ! .

التالي السابق


الخدمات العلمية