التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2138 [ ص: 11 ] 1 - باب: الشفعة ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة

2257 - حدثنا مسدد، حدثنا عبد الواحد، حدثنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة. [انظر: 3313 - مسلم: 1608 - فتح: 4 \ 436].


ذكر فيه حديث جابر: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة.

وقد سلف في باب بيع الشريك من شريكه واضحا.

وقام الإجماع على القول بهذا الحديث، وأوجبوا الشفعة للشريك في المشاع من الرباع، وكل ما تأخذه الحدود، ويحتمل القسمة، وإنما اختلفوا في غير الشريك كما سبق هناك، وأوجبها بعضهم إذا كانت الطرق واحدة، وفي هذا الحديث ما ينفي الشفعة للجار؛ لأن ضرب الحدود إذا نفى الشفعة كان الجار أبعد منه.

وفيه أيضا:

نفيها في كل ما لا يحتمل القسمة ولا تضرب فيه الحدود، وذلك ينفيها في العروض والحيوان، والمروي عن عطاء شاذ كما سلف، والسنة المجمع عليها بالمدينة لا شفعة إلا في الأرضين والرباع.

واتفق مالك وأبو حنيفة والشافعي أن المسلم والذمي في أخذ [ ص: 12 ] الشفعة سواء. وعن الشعبي أنه لا شفعة لذمي؛ لأنه صاغر، وهو قول الثوري وأحمد .

حجة الأولين عموم الحديث، ولم يفرق بين مسلم وذمي، وأيضا فإنما تجب بالشركة، لا يختلف فيه المسلم والذمي كالعتق، ألا ترى أنه لو أعتق شقصا من عبد بينهما قوم عليه كما يقوم على شريكه المسلم. والشفعة حق من حقوق الآدميين كسائر الحقوق التي هي لهم، مثل البيع والإجارة وغيرهما، والشفعة حق يتعلق بالمال، وضع لإزالة الضرر، كالرد بالعيب، فما وجب للمسلم فيه وجب للذمي مثله، وليس الصغار مما يدل على بطلان حقه؛ لأنه لا فرق بين المسلم والذمي في الحقوق المتعلقة بالأموال، كخيار الشرط في الأجل وإمساك الرهن.

تنبيهات:

أحدها: زعم بعضهم أن قوله: (فإذا وقعت الحدود إلى آخره) ليس مرفوعا، إنما هو من كلام الراوي، وفيه نظر.

ثانيها: خص العقار بالشفعة؛ لأنه أكثر الأنواع ضررا، واتفقوا على [ ص: 13 ] أن لا شفعة في الحيوان والثياب والأمتعة إلا ما سلف عن عطاء، وفي رواية عن أحمد بثبوتها في الحيوان والبناء المفرد.

وفي "مصنف ابن أبي شيبة " عن ابن أبي مليكة : وسئل عن الشفعة فقال: قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل شيء: الأرض، والدار، والخادم، والجارية.

قال ابن حزم : وإلى هذا رجع عطاء، وهو عنهما بأصح سند.

وروي عن عمر بن هارون، عن سعيد، عن ابن جبير، عن ابن عباس مرفوعا: "الشفعة في العبد وفي كل شيء" رده ابن عدي بعمر هذا، وروى الطحاوي عن ابن خزيمة، عن يوسف بن عدي، ثنا أبو إدريس الأودي، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر: قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالشفعة في كل شيء.

وعند ابن حزم أن الشفعة واجبة في كل جزء بيع مشاعا بين اثنين فصاعدا، من أي شيء كان، مما يقسم ومما لا ينقسم، من أرض أو شجرة واحدة فأكثر، ومن عبد أو أمة أو ثوب أو سيف، أو من طعام أو حيوان أو أي شيء بيع. ورفع إلى عبد الملك بن يعلى رجل باع نصيبا له غير مقسوم، فلم يجزه. [ ص: 14 ]

وقال ابن سيرين : لا بأس بالشريكين بينهما الشيء الذي لا يكال ولا يوزن أن يبيعه قبل أن يقاسمه. وقال الحسن : لا بيع فيه ولا في غيره حتى يقاسمه، إلا أن يكون لؤلؤة أو ما لا يقدر على قسمته. ولم ير عثمان البتي شفعة لشريك.

ورأى ابن شبرمة الشفعة في الماء، ورأى مالك الشفعة في التين والعنب والزيتون والفواكه في رءوس الشجر.

وفي "الاستذكار" لابن عبد البر عن معمر : قلت لأيوب: أتعلم أحدا كان يجعل في الحيوان شفعة؟ قال: لا. قال معمر : ولا أنا أعلم أحدا جعل فيه شفعة.

وقال ابن شهاب : ليس في الحيوان شفعة، وعن إبراهيم : لا شفعة إلا في دار أو أرض.

وعن عمر بن عبد العزيز أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بالشفعة في الدين.

وفي لفظ: "من ابتاع دينا على رجل فصاحب الدين أولى إذا أدى مثل الذي أدى صاحبه".

ثالثها: قد أسلفت الكلام على حديث: "الجار أحق بصقبه" في الباب المشار إليه قريبا، وأخرجه ابن حزم من حديث عبد الله بن [ ص: 15 ] عمرو، ووهاه، وأبو داود من حديث جابر بزيادة: "ينتظر به وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا"، حسنه الترمذي مع الغرابة، ووهاه أحمد .

وأما حديث الحسن، عن سمرة رفعه: "جار الدار أحق بالدار" فصححه الترمذي، وذكر مثله عن أنس، وقال: الصحيح الأول وخطأ النسائي رفعه، وكذا الدارقطني، وابن حزم .

التالي السابق


الخدمات العلمية