التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2146 2266 - قال ابن جريج؛ وحدثني عبد الله بن أبي مليكة، عن جده بمثل هذه الصفة، أن رجلا عض يد رجل، فأندر ثنيته، فأهدرها أبو بكر رضي الله عنه. [فتح: 4 \ 443]


ذكر فيه حديث يعلى بن أمية قال: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيش العسرة فكان من أوثق أعمالي في نفسي، فكان لي أجير، فقاتل إنسانا، فعض أحدهما إصبع صاحبه، فانتزع إصبعه، فأندر ثنيته فسقطت، فانطلق إلى النبي فأهدر ثنيته... الحديث.

قال ابن جريج؛ وحدثني عبد الله بن أبي مليكة، عن جده بمثل هذه القصة، أن رجلا عض يد رجل، فأندر ثنيته، فأهدرها أبو بكر.

الكلام عليه من أوجه:

أحدها: هذا الحديث أخرجه مسلم كما سيأتي، وهذا التعليق [ ص: 43 ] أسنده الحاكم أبو أحمد في "كناه" وابن عبد البر من حديث أبي عاصم، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أبيه، عن جده، عن أبي بكر أن رجلا... فذكره.

وعبد الله بن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان قاضي الطائف لابن الزبير، توفي بمكة سنة سبع عشرة ومائة. وقد خالف البخاري ابن منده وأبو نعيم وأبو عمر فرووه في كتب الصحابة في ترجمة أبي مليكة زهير بن عبد الله من حديث ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أبيه عن جده، عن أبي بكر كما أسلفناه.

قال أبو عمر : أبو مليكة اسمه زهير، وهو جد ابن أبي مليكة، له صحبة، يعد في أهل الحجاز.

ثم ساقه كما ذكرناه عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة عن أبيه عن جده، قال: وكذا ذكره الزبير بن أبي بكر، هل المراد الصحبة في جده عبد الله أو زهير؟ فإن كان زهيرا فمتصل أو غيره فمنقطع فيما بينه وبين أبي بكر . وعلى كل حال فما رواه البخاري منقطع في موضعين كما بيناه.

ثانيها: وقع هنا أن القصة لأجير يعلى كما قدمناه. وفي مسلم أن يعلى قاتل رجلا. وصحح الحفاظ ما في البخاري . قال النووي: ويحتمل أنهما قضيتان جرتا ليعلى ولأجيره في وقت أو وقتين، [ ص: 44 ] ويروى: يده، ويروى: ذراعه. وقال القرطبي : رواية البخاري أولى؛ إذ لا يليق بيعلى ذلك مع جلالته وفضله. قلت: ويجوز أن يكون قتال يعلى للرجل، أي: الأجير وكنى يعلى عن نفسه.

ثالثها: (جيش العسرة) يريد: تبوك، ويعرف أيضا بالفاضحة، وقيل: لها العسرة؛ لأن الحر كان شديدا، والجدب كثير، وكانت في رجب.

قال ابن سعد: في يوم الخميس، وعن ابن التين : خرج في أول يوم منه، ورجع في سلخ شوال، وقيل: في رمضان.

رابعها: معنى (أندر ثنيته) سقطت بجذب، والثنية مقدم الأسنان، وللإنسان أربع ثنايا، ثنتان فوق وثنتان أسفل، والعض بالأسنان، والقضم بالقاف ثم ضاد معجمة الأكل بأطراف الأسنان، قاله ابن سيده .

وفي "الواعي": أصل القضم: الدق والكسر، ولا يكون إلا في الشيء الصلب وماضيه على ما ذكر ثعلب بكسر العين، وحكى ثابت وغيره فتحها، وقيل: هو الأكل بأدنى الأضراس، والفحل فحل الإبل. وأهدرها: أسقطها وأبطلها، يقال: أهدر السلطان دم فلان هدرا أباحه، وهدر أيضا: هدر الدم نفسه.

خامسها: الحديث صريح في إهدار ثنية العاض، وبه قال الشافعي [ ص: 45 ] وأبو حنيفة وجماعة؛ لأنه صائل، وبه قال ابن وهب وخالف مالك ولعله لم يبلغه، وأغرب أبو عبد الملك فقال: كأنه لم يصح الحديث عنده؛ لأنه أتى من المشرق. وقيل: لفساد الزمان. ولم يقل أحد بالقصاص فيه فيما أعلم.

ونقل القرطبي عن بعض أصحابهم إسقاط الضمان، ثم قال: وضمنه الشافعي، وهو مشهور مذهب مالك وما ذكره غريب عن الشافعي، ثم قال: وترك بعض أصحابنا القول بالضمان عما إذا أمكنه نزع يده برفق فانتزعها بعنف، قال: وحمل بعض أصحابنا الحديث على أنه كان متحرك الثنايا وستكون لنا عودة إليه في بابه إن شاء الله تعالى.

سادسها: استئجار الأجير للخدمة وكفاية مؤنة العمل في الغزو وغيره سواء، وأما القتال فلا يستأجر عليه؛ لأن على كل مسلم أن يقاتل حتى تكون كلمة الله هي العليا، وسيأتي هل يسهم للأجير أم لا في موضعه، وذكر البخاري الباب هنا؛ لأن عمل الجهاد كله بر فلا بأس أن يؤاجر الرجل نفسه في سبب منه كالخدمة أو ما يتعلق به.

وفيه: ذكر الرجل بصالح عمله لقوله: (فكان من أوثق أعمالي في نفسي).

التالي السابق


الخدمات العلمية