التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2179 [ ص: 160 ] 2 - باب: إذا وكل المسلم حربيا في دار الحرب أو في دار الإسلام، جاز

2301 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثني يوسف بن الماجشون، عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن جده عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: كاتبت أمية بن خلف كتابا بأن يحفظني في صاغيتي بمكة، وأحفظه في صاغيته بالمدينة، فلما ذكرت: الرحمن قال: لا أعرف الرحمن، كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية. فكاتبته: عبد عمرو، فلما كان في يوم بدر خرجت إلى جبل لأحرزه حين نام الناس، فأبصره بلال، فخرج حتى وقف على مجلس من الأنصار فقال: أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا أمية. فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا، فلما خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه، لأشغلهم فقتلوه ثم أبوا حتى يتبعونا - وكان رجلا ثقيلا - فلما أدركونا قلت له: ابرك. فبرك، فألقيت عليه نفسي لأمنعه، فتخللوه بالسيوف من تحتي، حتى قتلوه، وأصاب أحدهم رجلي بسيفه. وكان عبد الرحمن بن عوف يرينا ذلك الأثر في ظهر قدمه. قال أبو عبد الله: سمع يوسف صالحا وإبراهيم أباه. [3971 - فتح: 4 \ 480]


ذكر فيه حديث عبد الرحمن بن عوف . قال: كاتبت أمية بن خلف كتابا بأن يحفظني في صاغيتي بمكة، وأحفظه في صاغيته بالمدينة، فلما ذكرت: الرحمن قال: لا أعرف الرحمن... الحديث. وفي آخره في بعض النسخ: قال أبو عبد الله: سمع يوسف صالحا وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أباه.

الشرح:

هذا الحديث ليس مطابقا للتبويب، إذ ليس فيه وكالة، إنما تعاقدا أن يجير كل واحد منهما صاغية صاحبه، كذا قال ابن التين، وقد يقال: هو [ ص: 161 ] في معنى التوكيل؛ لأن الوكالة: إرصاد شخص لمصالحه، وهذا منه.

والصاغية: المال والأهل، وغير ذلك، وقيل: هم حاشية الرجل، ومن يصغى إليه: أي: يميل، ومنه: أصغيت إلى فلان: أي: ملت بسمعي إليه، ومنه: ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة [الأنعام: 113]، وكل مائل إلى شيء أو معه فقد صغى إليه وأصغى. ورواه الداودي في ظاعنته، وقال: والظاعنة: ما ظعن له إلى حيث سمى، يقال للمسافر وللجماعة: ظاعنة، ولم يذكر أحد هذه الرواية غيره.

قال ابن سيده : وأراهم إنما أنثوا على معنى الجماعة. وقال الهروي: خالصته.

وقوله: (لا أحفظ الرحمن). أي: لا أعيذ من يعبده، وهذه حمية الجاهلية التي ذكرت، حين لم يقرءوا كتابه يوم الحديبية، لما كتب بسم الله الرحمن الرحيم، قالوا: لا نعرف الرحمن، اكتب: باسمك اللهم.

وقوله: (خرجت إلى جبل لأحرزه). أي: لأحفظه، وهو بضم الهمزة، رباعي؛ لأن ماضيه أحرز.

وفيه: أن قريشا لم يكن لهم يوم بدر ما لغيرهم من الأمان، إذ لم يجز بلال وأصحابه أمان عبد الرحمن.

وفيه: الوفاء بالعهد.

وفيه: أن من أصيب حين يتقى عن مشرك، أنه لا شيء فيه.

وفيه: ذكر عبد الرحمن لذلك فخرا ببلال والأنصار. [ ص: 162 ]

وابن أمية المقتول اسمه علي كما ستعلمه. وقول بلال: لا نجوت إن نجا أمية، هو الذي كان يعذبه ويضع على صدره الصخور.

وما ترجم به البخاري لائح، وهو جواز توكيل المسلم الحربي المستأمن، وكذا توكيل الحربي المستأمن المسلم، وصرح به ابن المنذر، ألا ترى أن عبد الرحمن بن عوف وكل أمية بن خلف بأهله وحاشيته بمكة أن يحفظهم وأمية مشرك، والتزم عبد الرحمن لأمية من حفظ حاشيته بالمدينة، مثل ذلك؛ مجازاة لصنعه، وترك عبد الرحمن بن عوف أن يكتب إليه عبد الرحمن؛ لأن التسمية علامة كما في عام الحديبية، ولم يضره محوه، ولا تشاحح فيه، إذ ما محي من الكتاب ليس بمحو من الصدور، وإذ التشاحح في مثل هذا ربما آل إلى فساد ما أحكموه في المقاضاة.

وقوله: (فألقيت عليه نفسي لأمنعه، فلم يمنع بذلك أمية بن خلف من القتل)، هو منسوخ بخبر حديث: "يجير على المسلمين أدناهم"؛ لأن حديث أم هانئ كان يوم فتح مكة .

وفيه: مجازاة المسلم الكافر على البر يكون منه للمسلم، والإحسان إليه ومعاوضته على جميل فعله، والسعي له في تخليصه من القتل وشبهه. [ ص: 163 ]

وفيه أيضا:

المجازاة على سوء الفعل بمثله، والانتقام من الظالم، وإنما سعى بلال في قتل أمية بن خلف، واستصراخ الأنصار عليه، وأغراهم به في ندائه: أمية لا نجوت إن نجا أمية؛ لأنه كان عذب بلالا بمكة على ترك الإسلام، وكان يخرجه إلى الرمضاء بمكة إذا حميت، فيضجعه على ظهره، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره - كما سلف - ويقول: لا تزال هكذا أو تفارق دين محمد، فيقول بلال: أحد أحد.

قال عبد الرحمن بن عوف: فكنت بين أمية وابنه آخذا بأيديهما، فلما رآه بلال صرخ بأعلى صوته: يا أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا، فأحاطوا بنا وأنا أذب عنه، فضرب رجل أمية بالسيف فوقع، وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط.

قلت: انج بنفسك - ولا نجاء به - فوالله لا أغني عنك شيئا، فهزموهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما، ذكره ابن إسحاق، وذكر في حديث آخر عن عبد الله بن أبي بكر وغيره، عن عبد الرحمن بن عوف: كان أمية بن خلف لي صديقا بمكة، وكان اسمي عبد عمرو، فتسميت حين أسلمت عبد الرحمن، ونحن بمكة، فكان يلقاني بمكة فيقول: يا عبد عمرو، أرغبت عن اسم سماكه أبوك؟ ! فأقول: نعم. فيقول: فإني لا أعرف الرحمن، فاجعل بيني وبينك شيئا أدعوك به، فسماه: عبد الإله، فلما كان يوم بدر مررت به وهو واقف مع ابنه علي بن أمية ومعي أسلبة، فأنا أحملها، فلما رآني قال: يا عبد عمرو.

فلم أجبه، قال: يا عبد الإله. [ ص: 164 ]

قلت: نعم. قال: هل لك في، فأنا خير لك من هذه الأدراع التي معك؟ قلت: نعم، فطرحت الأدرع من يدي وأخذت بيده ويد ابنه، وهو يقول ما رأيت كاليوم قط. فرآهما بلال، فكان من حديثه ما تقدم، فكان عبد الرحمن يقول: رحم الله بلالا، ذهبت أدرعي، وفجعني بأسيري.

وقول بلال: أمية بن خلف. أي: عليكم به، ونصبه على الإغراء، ويجوز فيه الرفع على أن يكون خبر ابتداء مضمر تقديره هذا أمية بن خلف.

التالي السابق


الخدمات العلمية