التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2181 [ ص: 168 ] 4 - باب: إذا أبصر الراعي أو الوكيل شاة تموت أو شيئا يفسد وأصلح ما يخاف عليه الفساد

2304 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم، سمع المعتمر، أنبأنا عبيد الله، عن نافع أنه سمع ابن كعب بن مالك يحدث، عن أبيه أنه كانت لهم غنم ترعى بسلع، فأبصرت جارية لنا بشاة من غنمنا موتا، فكسرت حجرا فذبحتها به، فقال لهم: لا تأكلوا حتى أسأل النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو أرسل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من يسأله. وأنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذاك، أو أرسل، فأمره بأكلها. قال عبيد الله: فيعجبني أنها أمة، وأنها ذبحت. تابعه عبدة، عن عبيد الله. [5501، 5502، 5504 - فتح: 4 \ 482]


ذكر فيه حديث ابن كعب بن مالك عن أبيه. أنه كانت لهم غنم ترعى بسلع، فأبصرت جارية لنا بشاة من غنمنا موتا، فكسرت حجرا فذبحتها به، فقال لهم: لا تأكلوا حتى أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو أرسل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يسأله. وأنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو أرسل إليه فأمره بأكلها. قال عبيد الله: فأعجبني أنها أمة، وأنها ذبحت. تابعه - يعني: المعتمر - عبدة، عن عبيد الله.

هذه المتابعة أخرجها البخاري في الذبائح مسندة عن صدقة بن الفضل.

واختلف في ابن كعب هذا، فذكر في الأطراف في ترجمة عبد الله بن كعب. [ ص: 169 ]

وذكره البخاري أيضا في موضع آخر، فسماه: عبد الرحمن.

وعند الإسماعيلي من رواية ابن عبد الأعلى : ثنا المعتمر، سمعت عبيد الله، عن نافع أنه سمع ابن كعب يخبر عبد الله بن عمر، عن أبيه بهذا الحديث، ثم قال: وقال ابن المبارك عن نافع سمع رجلا من الأنصار، عن ابن عمر، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. لم يقل عن أبيه.

قال: وكذلك قال موسى بن عقبة، عن نافع، وعبيدة بن حميد، عن عبيد الله، عن نافع أنه سمع ابن كعب يخبر عبد الله : كانت لنا جارية. لم يذكر أباه.

وفي كتاب الذبائح من البخاري . وقال الليث : ثنا نافع، سمع رجلا من الأنصار، عن ابن عمر يخبر عبد الله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وعن إسماعيل بن عبد الله، عن مالك - يعني: المذكور في "الموطأ" - عن نافع، عن رجل من الأنصار، عن معاذ بن سعد، أو سعد بن معاذ أن جارية لكعب بهذا.

وقال أبو عمر : قد روي هذا الحديث عن نافع، عن ابن عمر، وليس بشيء، وهو خطأ، والصواب رواية مالك ومن تابعه - يعني: المذكور قبل - قال: ورواه موسى بن عقبة، وجرير بن حازم، ومحمد بن إسحاق، والليث، كلهم عن نافع أنه سمع رجلا من الأنصار يحدث ابن عمر أن جارية - أو أمة - لكعب. قال: ورواه [ ص: 170 ] عبيد الله بن عمر، عن نافع أن كعب بن مالك سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مملوكة ذبحت شاة بمروة. قال: ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري، وصخر بن جويرية، جميعا عن نافع، عن ابن عمر، وهو وهم عند أهل الحديث، والحديث لنافع عن رجل من الأنصار لا عن ابن عمر .

إذا تقرر ذلك فترجمته أن الذبيحة إذا قصد إصلاحها في محل يخاف عليها الفساد لم يكن الفاعل لذلك متعديا، ثم أتى بحديث الجارية وما فيه، تعرض بحكم فعلها ابتداء، هل هو حكم بأنه تعد أم لا؟ وغايته أنه أباح أكل الشاة لمالكها، لكن ذكره في موضع آخر: من ذبح متعديا فذبيحته ميتة، فمن هنا يؤخذ أنها غير متعدية بذبحها؛ لأنه حللها، وأما إذا بنينا على حلها فما فيه دليل على الترجمة.

وفيه من الفقه: تصديق الراعي والوكيل على ما اؤتمن عليه، حتى يظهر عليه دليل الخيانة والكذب، وهو قول مالك وجماعة.

وقال ابن القاسم : إذا خاف الموت على شاة فذبحها لم يضمن، ويصدق إن جاء بها مذبوحة. وقال غيره: يضمن حتى يتبين ما قال.

واختلف ابن القاسم وأشهب إذا أنزى على إناث الماشية بغير أمر أربابها فهلكت، فقال ابن القاسم : لا ضمان عليه؛ لأنه من صلاح المال وتمامه. وقال أشهب : عليه الضمان.

وقول ابن القاسم أشبه بدليل هذا الحديث؛ لأنه - عليه السلام - لما أجاز ذبح الأمة الراعية للشاة وأمرهم بأكلها، وقد كان يجوز أن لا تموت لو بقيت، [ ص: 171 ] دل على أن الراعي والوكيل يجوز له الاجتهاد فيما استرعي عليه ووكل به، وأنه لا ضمان عليه فيما تلف باجتهاده إذا كان من أهل الصلاح، وممن يعلم إشفاقه على المال والنية في إصلاحه، وأما إن كان من أهل الفسوق والفساد وأراد صاحب المال أن يضمنه فعل؛ لأنه لا يصدق أنه رأى بالشاة موتا؛ لما عرف من فسقه، وإن صدقه لم يضمنه.

فائدة:

سلع: جبل بالمدينة. وقال ابن فارس : سلع: مكان.

وعبارة صاحب "المطالع": سلع - بسكون اللام - جبل بسوق المدينة.

وعند ابن سهل بفتح اللام وسكونها، وذكر أنه رواه بعضهم بغين معجمة، وكله خطأ.

فائدة:

قال ابن التين : اشتمل هذا الحديث على خمس فوائد: جواز ذكاة النساء والإماء، والذكاة بالحجر، وذكاة ما أشرف على الموت، وذكاة غير المالك بغير وكالة.

قال الداودي : وفيه دليل أن الراعي إذا ذبح لم يضمن، وهو قول ابن القاسم، ولا دليل فيه؛ لأن الجارية ملك لرب الغنم ولو لم تكن ملكا له ما كان في الحديث دليل؛ لأنه لم يذكر أنه أراد تضمينها، فلم يمكن ذلك. وقال أشهب : يضمن. [ ص: 172 ]

قال: وفيه الإرسال بالسؤال والجواب، وهو في البخاري على الشك: أرسل أو أسأل، ولا حجة فيما شك فيه.

قلت: ورواية "الموطأ" صريحة في السؤال، وكذا ما روي عن ابن وهب .

فائدة:

قال ابن عبد البر : على إجازة ذبيحة المرأة بغير ضرورة إذا أحسنت الذبح، وكذا الصبي إذا أطاقه، أبو حنيفة والشافعي ومالك وأصحابه والثوري والليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور والحسن بن حي، وروي عن ابن عباس وجابر وعطاء، وطاوس ومجاهد والنخعي .

أخرى: التذكية بالمروة مجمع عليها أيضا إذا أفرى الأوداج وأنهر الدم.

أخرى: استدل جماعة من أهل العلم بهذا الحديث على صحة ما ذهب إليه فقهاء الأمصار: أبو حنيفة والشافعي ومالك والأوزاعي والثوري من جواز أكل ما ذبح بغير إذن مالكه، وردوا به على من أبي من أكل ذبيحة السارق والغاصب، وهم: داود وأصحابه وإسحاق، وتقدمهم عكرمة، وهو قول شاذ.

وقد ذكر ابن وهب في "موطئه": أخبرني أسامة بن زيد، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها - يعني الشاة - فلم ير بها بأسا. [ ص: 173 ]

ومما يؤكد هذا المذهب حديث عاصم بن كليب الجرمي، عن أبيه، عن رجل من الأنصار، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشاة التي ذبحت بغير إذن ربها فقال - عليه السلام -: "أطعموها الأسرى " فهم ممن تجوز عليهم الصدقة بمثلها، فلو لم تكن ذكية ما أطعمهم إياها. وحمله ابن الجوزي على أن هذه الذبيحة كانت بها حياة مستقرة، ولولا ذلك لما حلت.

التالي السابق


الخدمات العلمية