التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2184 7 - باب: إذا وهب شيئا لوكيل أو شفيع قوم جاز

لقوله - صلى الله عليه وسلم - لوفد هوازن حين سألوه المغانم، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "نصيبي لكم".

2307 ، 2308 - حدثنا سعيد بن عفير قال: حدثني الليث قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب قال وزعم عروة أن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين، فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أحب الحديث إلي أصدقه. فاختاروا إحدى الطائفتين: إما السبى، وإما المال، وقد كنت استأنيت بهم". وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتظرهم بضع عشرة ليلة، حين قفل من الطائف، فلما تبين لهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا فإنا نختار سبينا. فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسلمين، فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: "أما بعد. فإن إخوانكم هؤلاء قد جاءونا تائبين، وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب بذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل". فقال الناس: قد طيبنا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفعوا إلينا عرفاؤكم أمركم". فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا.

الحديث: 2307 - [2539، 2584، 2607، 3131، 4318، 7176 - فتح: 4 \ 483]

الحديث: 2308 - [2540، 2583، 2608، 3132، 4319، 7177 - فتح: 4 \ 483]


ثم ساقه من حديث مروان بن الحكم، ومسور بن مخرمة ولأبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده في هذه القصة: فقال - عليه السلام -: "ردوا عليهم نساءهم وأبناءهم فمن أمسك شيئا من هذا الفيء [ ص: 183 ] فإن له به علينا ست فرائض" ثم دنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعير فأخذ وبرة من سنامه، ثم قال: "يأيها الناس، إنه ليس لي من هذا الفيء شيء ولا هذا - ورفع إصبعه - إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدوا الخيط والمخيط" فقام رجل في يده كبة من شعر فقال: أخذت هذه لأصلح برذعة لي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو فيء لك" فقال: أما إذا بلغت ما أرى فلا إرب لي فيها، ونبذها.

إذا تقرر ذلك فالوفد: القوم يفدون.

وفيه: جواز سبي العرب واسترقاقهم كالعجم، وفيه قول للشافعي، والأفضل عتقهم للرحم ومراعاتها، كذا فعله عمر في خلافته حين ملك المرتدين، وهو على وجه الاستحباب.

ومعنى "استأنيت بهم" انتظرتهم. قال الداودي : وإنما انتظرهم بشيء أوجب لأصحابه؛ لأن ترك ما لم يقبض أهون من ترك ما قبض، واستدل بعضهم به أن الغنيمة إنما تملك بالقسمة، وكذا الشافعي وأبو حنيفة إنما تملك بها.

وقوله: (قفل) رجع، ولما قسم - صلى الله عليه وسلم - غنائم حنين بالجعرانة لخمس ليال خلون من ذي القعدة سنة ثمان، وكان قدم سبي هوازن إلى الجعرانة، وأخر القسمة رجاء أن يسلموا ويرجعوا إليه، وكانوا ستة آلاف من الذراري والنساء، ومن الإبل أربعة وعشرين ألفا، ومن الغنم أكثر من أربعين ألف شاة، وأربعة آلاف أوقية فضة، فقسمها بالجعرانة.

وذكر ابن فارس في كتاب "المنبي في أسماء النبي" أن الذي أعطاه [ ص: 184 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا اليوم قوم خمس مائة ألف ألف.

وقوله: "حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا" أي: يرد، مثل قوله: ما أفاء الله.

فيه: القرض إلى أجل مجهول، إذ لا يدري متى يفاء. قال ابن التين عن بعضهم: يمكن أن يقاس عليه من أكره على بيع ماله في حق غيره.

ونقل ابن بطال عن بعضهم أن فيه من الفقه أن بيع المكره في الحق جائز؛ لأنه - عليه السلام - حكم برد السبي، ثم قال: "من أحب أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه" إلى آخره، ولم يجعل لهم الخيار في إمساك السبي أصلا، وإنما خيرهم في أن يعوضهم من مغانم أخر، ولم يخيرهم في أعيان السبي؛ لأنه قال لهم هذا بعد أن رد إليهم أهليهم، وإنما خيرهم في إحدى الطائفتين؛ لئلا يجحف بالمسلمين في مغانمهم فيخليهم منه كله ويحبسهم ما غنموا وتعبوا فيه، وفي دفعه أملاك الناس عن الرقيق، ولم يجعل إلى تمليك أعيانهم سبيلا دلالة على أن للإمام أن يستعين على مصالح المسلمين بأخذ بعض ما في أيديهم ما لم يجحف بهم، ويعد من لم تطب نفسه مما يؤخذ منه بالعوض، ألا ترى قوله - عليه السلام - "من أحب أن يطيب بذلك" فأراد أن يطيب نفوس المسلمين لأهل هوازن بما أخذ منهم من العيال؛ ليرفع الشحناء والعداوة، ولا يبقي إحنة الغلبة لهم في انتزاع السبي منهم في قلوبهم، فيولد ذلك اختلاف الكلمة.

وفيه: أنه يجوز للإمام إذا جاءه أهل الحرب مسلمين، بعد أن غنم أهليهم وأموالهم أن يرد عليهم عيالهم إذا رأى ذلك صوابا، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن العيال ألصق بنفوس الرجال من المال، والعار [ ص: 185 ] عليهم فيه أشد.

وقوله: ("حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم") إنما هذا تقص من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أصل السبي في استطابة النفوس رجلا رجلا، وليعرف الحاضر منهم الغائب.

والعرفاء: جمع عريف، وهو القيم بأمر القبيلة والمحلة على أمرهم، ويعرف الأمير حالهم، وهو مبالغة في اسم من يعرف الجند ونحوهم، فعيل بمعنى فاعل، والعرافة عمله.

وعن أبي نصر : هو النقيب الذي دون الرئيس. وعن غيره: النقيب فوق العريف، وقيل: هو الأمير.

وفيه: اتخاذ العرفاء، وأنهم كانوا ثقات.

وفيه: قبول خبر الواحد، واستدل به من رأى قبول إقرار الوكيل على موكله؛ لأن العرفاء كانوا كالوكلاء فيما أقيموا له من أمرهم، فلما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالة العرفاء أنفذ ذلك ولم يسألهم عما قالوه، وكان في ذلك تحريم فروج السبايا على ما كانت حلالا (إليه)، وإليه ذهب أبو يوسف ونفر من أهل العلم، وقال أبو حنيفة : إقرار الوكيل جائز عند الحاكم، ولا يجوز عند غيره.

وقال مالك: لا يقبل إقراره ولا إنكاره إلا أن يجعل ذلك إليه موكله.

وقول الشافعي : لا يقبل إقراره عليه.

التالي السابق


الخدمات العلمية