التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2201 [ ص: 238 ] 6 - باب: قطع الشجر والنخل

وقال أنس: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنخل فقطع.

2326 - حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا جويرية، عن نافع، عن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حرق نخل بني النضير وقطع، وهي البويرة، ولها يقول حسان:


وهان على سراة بني لؤي... حريق بالبويرة مستطير



[3021، 4031، 4032، 4884 - مسلم: 1746 - فتح: 5 \ 9].
هذا قد أسنده في الصلاة كما مضى.

ثم ساق حديث عبد الله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حرق نخل بني النضير وقطع، وهي البويرة، ولها يقول حسان :


وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير



زاد في كتاب المغازي: فأجابه أبو سفيان بن الحارث :


أدام الله ذلك من صنيع     وحرق في نواحيها السعير
ستعلم أينا منها بنزه     وتعلم أي أرضينا تضير



وزاد في لفظ: فأنزل الله - عز وجل -: ما قطعتم من لينة الآية. [الحشر: 5].

وقوله: (وهان). كذا وقع لأبي ذر، ووقع لأبي الحسن : وهن. مخروما. [ ص: 239 ]

وللترمذي من حديث ابن عباس في هذه الآية. قال: النخلة. وليخزي الفاسقين [الحشر: 5] قال: استنزلوهم من حصونهم وأمروا بقطع النخيل، فحك في صدورهم، فقال المسلمون: قد تركنا بعضها وقطعنا بعضها، فلنسألن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل لنا فيما قطعنا من أجر، وهل علينا فيما تركنا من وزر؟ فأنزل الله الآية . ثم قال: حديث حسن غريب، وقد روي عن سعيد بن جبير مرسلا.

ولأبي داود من حديث أسامة بن زيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عهد إليه فقال: " أغر على أبنى صباحا، وحرق ".

واختلف في اللينة: فقيل: النخلة كما سلف. وقيل: كل الأشجار للينها، وقيل: اللينة واللون: الأخلاط من التمر، وقيل: النخيل ما سوى البرني، والعجوة يسميها أهل المدينة الألوان، وقيل: العجوة. وقيل: العسيل. وقيل: أغصان الشجر، للينها. وقيل: النخلة القريبة [ ص: 240 ] من الأرض، فهذه ثمانية أقوال.

قال الترمذي : وقد ذهب قوم من أهل العلم إلى هذا، ولم يروا بأسا بقطع الأشجار وتخريب الحصون، وكره بعضهم ذلك، وهو قول الأوزاعي . ونهى الصديق أن يقطع شجر مثمر أو يخرب عامر وعمل بذلك المسلمون بعده.

وقال الشافعي : لا بأس بالتحريق في أرض العدو، وقطع الأشجار والثمار. وقال أحمد : وقد تكون في مواضع لا يجدون منه بدا، فأما للعبث فلا يحرق. وقال إسحاق: التحريق سنة إذا كان إنكاء لهم.

وقال بقطع شجر الكفار وإحراقه عبد الرحمن بن القاسم، ونافع مولى ابن عمر، ومالك، والثوري، وأبو حنيفة، والجمهور. وقال الليث بن سعد، وأبو ثور : لا يجوز.

قال الطحاوي : والجز عن الصديق مرسل، رواه سعيد بن المسيب، ولم يولد في أيامه، واعتذر لهم بأن الشارع إنما قطع تلك النخيل، ليوسع موضع جولان الخيل للقتال، ويمكن أن يحمل ما روي عن الصديق من المنع إذا كان في قطعها نكاية أو أن يرجى عودها على المسلمين.

وذهبت طائفة إلى أنه إذا رجى عودها لنا فلا بأس بالترك، وليس بصحيح؛ لأن الله تعالى كان أعلم نبيه أنه سيفتح عليه تلك البلاد وغيرها، وبشر أمته بذلك، ثم قطعها، فدل ذلك على إباحة الوجهين: [ ص: 241 ]

التحريق، والترك، وفي قطعها خزي للمشركين ومضرة لهم، والصديق أمر أن لا يقطع، ولم يجهل ما فعله الشارع بنخل بني النضير؛ لأنه علم مصيرها إلينا، فيجوزان.

وفي النسائي من حديث عبد الله بن حبشي مرفوعا " من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار " وعن عروة مرفوعا بنحوه مرسلا، وكان عروة يقطعه من أرضه.

وحمل الحديث على تقدير صحته أنه أراد سدر مكة، وقيل: سدر المدينة؛ لأنه أنس وظل لمن جاءها؛ ولهذا قال في الحديث: إن عروة كان يقطعه من أرضه. لا من الأماكن التي يؤنس بها، ولا يستظل الغريب بها هو وبهيمته، وستأتي له تتمة في المغازي إن شاء الله تعالى.

قال المهلب : يجوز قطع الشجر والنخل لخشب يتخذ منه أو ليخلى مكانها لزرع أو غيره مما هو أنفع منه يعود على المسلمين من نفعه أكثر مما يعود من بقاء الشجر؛ لأنه - عليه السلام - قطع النخل بالمدينة وبنى في موضعه مسجده الذي كان منزل الوحي ومحل الإيمان، وقيل: إن الشارع قطعه إضعافا للعدو، فقال المنافقون: هذا الفساد بعينه. فبلغه، فأنزل الله الآية، حكاه ابن التين .

التالي السابق


الخدمات العلمية