التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
13 [ ص: 505 ] 7 - باب : من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه

13 - حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وعن حسين المعلم قال: حدثنا قتادة، عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". [مسلم 45 - فتح: 1 \ 56]
نا مسدد نا يحيى، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وعن حسين المعلم نا قتادة، عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".

الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

هذا الحديث أخرجه مسلم عن ابن المثنى وابن بشار، عن غندر، عن شعبة. وعن زهير، عن يحيى القطان، عن حسين المعلم، كلاهما عن قتادة، عن أنس ولفظه: "والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه أو لجاره ما يحب لنفسه". وأخرجه النسائي في: الإيمان بلفظ: "حتى يحب لأخيه من الخير". والترمذي في الزهد، وقال: صحيح، وابن ماجه في السنة وليس في السماع.

[ ص: 506 ] ثانيها: في التعريف برواته:

أما أنس (ع) فهو السيد الجليل أبو حمزة أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم -بفتح المعجمتين- بن زيد بن حرام -بالراء- بن حبيب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري النجاري البصري. خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، خدمه عشر سنين، أمه: أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام. روي له ألفا حديث، ومائتا حديث وستة وثمانون حديثا، اتفقا منها على مائة وثمانية وستين، وانفرد البخاري بثلاثة وثمانين، ومسلم بأحد وسبعين.

وهو أحد المكثرين، ومناقبه جمة. وسيأتي في كتاب: المناقب -إن شاء الله تعالى وقدره- جملة منها، ودعاؤه له - صلى الله عليه وسلم - بكثرة المال والولد وطول العمر والجنة مشهور.

مات بالبصرة سنة ثلاث وتسعين، وقيل خمس، وقد جاوز المائة.

ودفن في قصره على نحو فرسخ ونصف من البصرة. وكني بأبي حمزة -بالحاء المهملة- لبقلة كان يجتنيها.

فائدة:

أنس بن مالك في الصحابة اثنان لا ثالث لهما؛ أحدهما هذا وهو الأشهر، والثاني: أبو أمية الكعبي له حديث: "إن الله وضع عن [ ص: 507 ] المسافر الصوم وشطر الصلاة". وفيهم: أنس بدون ابن مالك فوق العشرين.

وفي الرواة غيرهم: أنس بن مالك ثلاثة ذكرتهم في "شرح العمدة".

فائدة ثانية:

أنس يشتبه بأتش -بالمثناة فوق بدل النون وشين معجمة-، وهو محمد بن الحسن بن أتش الصنعاني المتروك وأخوه علي بن الحسن فاعلم ذلك.

وأما الراوي عنه فهو الإمام أبو الخطاب قتادة (ع) بن دعامة -بكسر الدال- بن قتادة بن عزيز -بعين مهملة مفتوحة وزاي مكررة الأولى مكسورة- ابن عمرو بن ربيعة بن عمرو بن الحارث بن سدوس بن شيبان بن ذهل -بضم الذال المعجمة- بن ثعلبة بن عكابة -بالباء الموحدة- بن صعب بن بكر بن وائل، السدوسي البصري، التابعي الثقة الجليل، الحافظ البارع. وكان أكمه. روى عن أنس وأبي الطفيل وغيرهما من الصحابة، وخلائق من التابعين.

[ ص: 508 ] قال الترمذي: لا نعرف لقتادة سماعا من أحد من الصحابة إلا من أنس وأبي الطفيل، وروى عنه خلق من التابعين فمن بعدهم، وثناء الحفاظ عليه مشهور، وإن رمي بالتدليس والقدر.

مات كهلا سنة سبع عشرة ومائة، أو ثماني عشرة عن ست أو سبع وخمسين سنة.

قال معمر: جاء رجل إلى ابن سيرين فقال: رأيت حمامة التقمت لؤلؤة، فخرجت منها أعظم مما دخلت، ورأيت حمامة أخرى التقمت لؤلؤة، فخرجت أصغر مما دخلت، ورأيت حمامة أخرى التقمت لؤلؤة، فخرجت كما دخلت سواء. فقال له ابن سيرين: أما الأولى: فذاك الحسن يسمع الحديث فيجوده بمنطقه ثم يصل فيه من مواعظه، وأما الثاني: فذاك محمد بن سيرين ينقص منه ويشك فيه، وأما الثالث: فقتادة وهو أحفظ الناس.

فائدة:

ليس في الكتب الستة من اسمه قتادة بن دعامة سوى هذا.

وأما حسين (ع) المعلم: فهو ابن ذكوان المكتب العوذي نسبة إلى بن سود بطن من الأزد، البصري. سمع قتادة وعطاء وغيرهما، [ ص: 509 ] وعنه: شعبة ويحيى القطان وغيرهما، وهو ثقة كما قاله يحيى بن معين وغيره.

قال أبو داود: ولم يرو عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا. إنما يروي عن عبد الله بن بريدة، عن غير أبيه، ولعله أراد أن غالب روايته كذلك.

وإلا فقد روى في السير عن عبد الله، عن أبيه مرفوعا: "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا" .. الحديث.

وأما شعبة فقد سلف.

وأما يحيى: فهو الإمام الحافظ أبو سعيد يحيى بن سعيد بن فروخ القطان التميمي، أبو سعيد البصري الأحول، يقال: مولى بني تميم وليس لأحد عليه ولاء، سمع الثوري وغيره من الأعلام، وعنه: السفيانان وأحمد وخلق. والإجماع قائم على جلالته وإمامته، وعظم علمه وإتقانه وبراعته. أقام عشرين سنة يختم القرآن في كل يوم وليلة، ولم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة.

رئي في المنام وعلى قميصه مكتوب بين كتفيه: بسم الله الرحمن الرحيم براءة ليحيى بن سعيد من النار، وبشر قبل موته بعشر سنين بأمان من الله يوم القيامة، ولد سنة عشرين ومائة، ومات سنة عشرين ومائتين.

[ ص: 510 ] قال إسحاق بن إبراهيم الشهيدي : كنت أرى يحيى القطان يصلي العصر ثم يستند إلى أصل منارة مسجده، فيقف بين يديه علي بن المديني، وسليمان بن داود، وأبو أيوب الشاذكوني، وعمرو بن علي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهم يسألونه عن الحديث وهم قيام على أرجلهم إلى أن تحين صلاة المغرب، لا يقول لواحد منهم اجلس، ولا يجلسون هيبة له وإعظاما.

فائدة:

يحيى بن سعيد جماعة تقدم بيانهم قريبا في باب: أي الإسلام أفضل.

وأما مسدد: فهو أبو الحسن مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن مرعبل بن أرندل بن سرندل بن عرندل بن ماسك بن المستورد بن أسد بن شريك -بضم الشين- بن مالك بن عمرو بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس، الأزدي الدوسي، البصري الحافظ الثقة. وفي نسبه اختلاف كبير، قال ابن الجوزي: مسدد ومسرهد لقبان واسمهما عبد الملك بن عبد العزيز.

روى عن جماعة من الأعلام منهم: حماد ويحيى، وعنه الأعلام:

البخاري، وأبوداود، وأبو حاتم وغيرهم. وروى النسائي عن رجل عنه، وروى له الترمذي أيضا، مات سنة ثمان وعشرين ومائتين.

[ ص: 511 ] فائدة: ليس في الكتب الستة مسدد غيره.

وكان أبو نعيم يقول عند سماع نسبه: هذه رقية عقرب، وقيل: إنه كان يقول: لو كان في هذه النسبة: بسم الله الرحمن الرحيم، كانت رقية عقرب. ومما يقاربه: جخدب بن جرعب أبو الصقعب كوفي يروي عن عطاء بن أبي رباح وعنه: سفيان الثوري.

الوجه الثالث:

قوله: (وعن حسين المعلم) يعني: أن يحيى حدث به عن شعبة وعن حسين كلاهما عن قتادة.

الوجه الرابع:

معنى الحديث لا يؤمن الإيمان التام، وإلا فأصل الإيمان حاصل وإن لم يكن بهذه الصفة. والمراد: يحب لأخيه من الخير كما سلف في رواية النسائي، وهذا قد يعد من الصعب الممتنع. وليس كذلك كما نبه عليه ابن الصلاح.

أو معناه: لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الإسلام ما يحب لنفسه. والقيام بذلك يحصل بأن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها، بحيث لا تنقص النعمة على أخيه شيئا من النعمة عليه. وذلك سهل على القلب السليم، وإنما يعسر على القلب الدغل. عافانا الله أجمعين، فيحب الخير لأخيه في الجملة دون زيادة الفضل.

[ ص: 512 ] وقال أبو الزناد والقاضي: ظاهره التسوية وحقيقته التفضيل; لأن كل أحد يحب أن يكون أفضل، فإذا أحب لغيره ما يحب لنفسه كان هو من المفضولين. ألا ترى أن الإنسان يحب أن ينتصف من حقه ومظلمته، فإذا كمل إيمانه وكانت لأخيه عنده مظلمة، بادر إلى إنصافه من نفسه، وآثر الحق وإن كان عليه فيه بعض مشقة.

وقد أشار إلى هذا المعنى الفضيل بن عياض بقوله لسفيان: إن كنت تريد أن يكون الناس مثلك، فما أديت لله الكريم النصيحة، فكيف وأنت تود أنهم دونك.

وعن الأحنف بن قيس: أنه سئل ممن تعلمت العلم؟ فقال: من نفسي؟ قيل: وكيف ذلك؟ قال: كنت إذا كرهت شيئا من غيري، لم أفعل بأحد مثله.

التالي السابق


الخدمات العلمية