التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2287 2419 - حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرأنيها، وكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته بردائه فجئت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إني سمعت هذا يقرأ على غير ما أقرأتنيها، فقال لي: "أرسله". ثم قال له: "اقرأ". فقرأ. قال: "هكذا أنزلت". ثم قال لي: "اقرأ". فقرأت فقال: "هكذا أنزلت، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا منه ما تيسر". [4992، 5041، 6936، 7550 - مسلم: 818 - فتح: 5 \ 73]
[ ص: 491 ] ذكر فيه ثلاثة أحاديث:

أحدها:

حديث شقيق، عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من حلف على يمين وهو فيها فاجر ... " الحديث.

وقد سلف في باب الخصومة في البئر والقضاء فيها وهو هنا أتم.

وشيخ البخاري فيه حدثنا محمد وهو: ابن سلام، كما صرح به أبو نعيم وخلف.

ثانيها:

حديث كعب أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في المسجد، إلى آخره، وقد سلف في أبواب المساجد.

و (سجف الحجرة) بفتح السين وكسرها. ومعنى: (حتى كشف سجف حجرته): أرسله. وقال في رواية: أمر بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولعله عند وقوفه عند كشف السجف.

وقوله هنا: (تقاضاه في المسجد) ، وكذا سلف هناك، وقال في رواية أخرى: لقيه، فإما أن تكون إحداهما وهما أو لقيه، ثم سارا إلى المسجد، قاله ابن التين .

ثالثها:

حديث عبد الله بن يوسف، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، [ ص: 492 ] وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرأنيها، وكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته بردائه فجئت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال لي: "أرسله". ثم قال له: "اقرأ". فقرأ، قال: "هكذا أنزلت". ثم قال لي: "اقرأ". فقرأت فقال: "هكذا أنزلت، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا منه ما تيسر ". وتقدم عليه أنه لا يجوز من كلام الخصوم بعضهم لبعض إلا ما يجوز من كلام غيرهم مما لا يوجب أدبا ولا حدا .

ورواه في: فضائل القرآن من حديث عقيل عن ابن شهاب، عن عروة، عن المسور وعبد الرحمن بن عبد القاري عن عمر به.

قال الدارقطني : رواه عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن معمر، عن ابن شهاب، عن عروة، عن المسور، عن عمر . ورواه مالك بإسقاط المسور، وكلها صحاح عن الزهري، ورواه يحيى بن بكير، عن مالك، فقال: عن هشام وهم، والصحيح ابن شهاب .

ومعنى الترجمة من حديث ابن مسعود قول الأشعث : إذا والله يحلف فيذهب بحقي، فمثل هذا الكلام مباح فيمن عرف فسقه، كما عرف فسق اليهودي الذي خاصم الأشعث، وقلة مراقبته لله. فحينئذ يسمح الحكم للقائل لخصمه ذلك، وأما إن قال ذلك في رجل صالح أو من لا يعرف له فسق؛ فيجب أن ينكر عليه ويؤخذ له بالحق، ولا يبيح له النيل من عرضه.

وحديث عمر مع هشام في تولي الخصوم بعضهم بعضا سديد في [ ص: 493 ] هذا الباب؛ لأن فيه امتدادا باليد فهو أقوى من القول، وإنما جاز له ذلك. والله أعلم؛ لأنه أنكر عليه في أمر الدين.

وفي حديث كعب جواز ارتفاع الأصوات بين الخصوم؛ لما في خلائق الناس من ذلك، ولو قصر الناس عن أخلاقهم لكان ذلك من المشقة عليهم بل يسمح لهم فيما جبلهم الله عليه؛ لأن الشارع سمعهما ولم ينههما عن رفع أصواتهما.

وفيه: أن الحكم إذا سمع قول الخصوم واستعجم عليه أمرهما أشار عليهما بالصلح وأمرهما به، وإذا رأى مديانا غير مستطيع بدينه ولا مليء به وثبتت عسرته أنه لا بأس للحكم أن يأمر صاحب الدين بالوضيعة؛ لقطع الخصام لما في تماديه من قطع ذات البين وفساد النيات. قال ابن التين : واختلف الناس في حديث عمر مع هشام قديما وحديثا، ولم يعين أحد الخلاف الذي وقع بينهما.

واختلف في معنى الحرف على عشرة أقوال:

فقال الخليل : هو هنا القراءة، وقال أبو عبيد وأبو العباس أحمد بن يحيى هي سبع لغات من لغات العرب قريش ونزار وغير ذلك.

وقيل: كلها لمضر لا لغيرها وهي مفترقة في القرآن غير مجتمعة في الكلمة الواحدة.

وقيل: تصح في الكلمة الواحدة، ومنهم من جعلها في صورة التلاوة كالإدغام وغيره مما يأتي. [ ص: 494 ]

وقيل: سبعة أنحاء: زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال. وقيل: أحكام وأمثال وقصص إلى غير ذلك، وفيه نظر؛ لأن الشارع أجاز القراءة بكل حرف منها وإبدال حرف بحرف آخر منها، وتقرر الإجماع على أنه لا يحل إبدال آية أمثال بآية أحكام، قال تعالى: ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي [يونس: 15].

وقيل: الحرف هنا الإعراب؛ لأنه يقع في آخر الكلمة. وذكر عن مالك أن المراد به إبدال خواتم الآي فيجعل مكان (غفور رحيم) (سميع بصير) ما لم يبدل آية رحمة بعذاب أو عكسه.

وقيل: الحروف: الأسماء والأفعال المؤلفة من الحروف التي تنتظم منها الكلمة؛ فيقرأ على سبعة أوجه نحو: وعبد الطاغوت [المائدة: 60] و يرتع ويلعب [يوسف: 12] قرئا على سبعة أوجه.

وقال أكثر العلماء: أي: سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة [ ص: 495 ] نحو: أقبل وتعال وهلم. وعن مالك: إجازة القراءة بما ذكر عن عمر : (فامضوا إلى ذكر الله) قيل: أراد أنه لا بأس بقراءته على المنبر كما فعل عمر ليبين فاسعوا أن لا يراد به الجري. وقيل: المراد بها: الإمالة والفتح والترقيق والتفخيم والهمز والتسهيل والإدغام والإظهار

وعاشرها لبعض المتأخرين قال: تدبرت وجوه الاختلاف في القراءات فوجدتها سبعة منها يتغير حركته ويبقى معناه وصورته مثل: هن أطهر لكم [هود: 78] و (أطهر) ومنها ما يتغير معناه ويزول بالإعراب ولا تتغير صورته مثل: ربنا باعد و (بعد) ومنها ما يتغير بالحروف واختلافها بالإعراب ولا تتغير صورته نحو: ننشزها [ ص: 496 ] [البقرة: 259] و (ننشزها) ومنها ما يتغير صورته دون معناه كالعهن المنفوش [القارعة: 5].

وقرأ سعيد بن جبير : (كالصوف) ومنها ما تتغير صورته ومعناه مثل: وطلح منضود [الواقعة: 29] قرأ علي : (وطلع)، ومنها التقديم وجاءت سكرة الموت بالحق [ق: 19] قرأ أبو بكر وطلحة : (وجاءت سكرة الحق بالموت). ومنها: الزيادة والنقصان: تسع وتسعون نعجة [ص: 23] (أنثى) في قراءة ابن مسعود .

واختلف الأصوليون هل يقرأ اليوم على سبعة أحرف؟ فمنعه الطبري وغيره وقال: إنما يجوز بحرف واحد اليوم وهو حرف زيد، ونحا إليه القاضي أبو بكر.

وقال الشيخ أبو الحسن الأشعري: أجمع المسلمون على أنه لا يجوز حظر ما وسعه الله من القراءات بالأحرف التي أنزلها، ولا يسوغ للأمة أن تمنع ما يطلقه، بل هي موجودة في قراءتنا اليوم وهي مفرقة في القرآن غير معلومة بأعيانها، فيجوز على هذا، وبه قال القاضي أن يقرأ بكل ما نقله أهل التواتر من غير تمييز حرف من حرف، فيخلط حرف نافع بحرف الكسائي وحمزة ولا حرج في ذلك؛ لأن الله تعالى أنزلها تيسيرا على عباده ورفقا. [ ص: 497 ]

فائدة:

معنى (لببته بردائه) جمعت عليه ثوبه الذي (لابسه) وقبض عليه نحره.

وقوله: ("أرسله") أي: أزل يدك من لبته.

وفيه: انقياد هشام لعلمه أن عمر لم يرد إلا خيرا.

وفيه: ما كان عمر عليه من الصلابة، وكان هشام من أصلب الناس بعده، كان عمر إذا كره شيئا يقول: لا يكون هذا ما بقيت أنا وهشام بن حكيم .

وقوله: ("فاقرؤوا منه ما تيسر") أي: تيسر لكم حفظه.

التالي السابق


الخدمات العلمية