التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2308 [ ص: 567 ] 1 - باب: قصاص المظالم

2440 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار، فيتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة، فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم بمسكنه في الجنة أدل بمنزله كان في الدنيا". وقال يونس بن محمد: حدثنا شيبان عن قتادة حدثنا أبو المتوكل. [6535 - فتح: 5 \ 96]


حدثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار، فيتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة، فوالذي نفس محمد - صلى الله عليه وسلم - بيده لأحدهم بمسكنه في الجنة أدل بمنزله كان به في الدنيا ". وقال يونس بن محمد : ثنا شيبان، عن قتادة، ثنا أبو المتوكل .

الشرح:

يريد البخاري بهذا التعليق بيان سماع قتادة لهذا الحديث من أبي المتوكل.

ورواه أبو نعيم الحافظ، عن أبي علي محمد بن أحمد، ثنا إسحاق بن الحسن بن ميمون، ثنا يونس بن محمد المروزي، ثنا شيبان، عن قتادة، ثنا أبو المتوكل فذكره وهو من أفراد البخاري، ومعاذ (ع) المذكور سكن اليمن مات سنة مائتين، ووالده هو هشام [ ص: 568 ] (ع) الدستوائي مات بعد الخمسين سنة إحدى أو ثلاث أو أربع.

وقيل: في زمن أبي جعفر .

وأبو المتوكل (ع) اسمه علي بن دؤاد الناجي، أما أبو الصديق الناجي فاسمه: بكر بن عمرو . وقيل: ابن قيس، وأبو سعيد الخدري سعد بن مالك . وهذه المقاصة كما قال ابن بطال : هي لقوم دون قوم وهم قوم لا تستغرق مظالمهم جميع حسناتهم إذ لو استغرقتها كانوا ممن وجب لهم العذاب، ولما جاز أن يقال فيهم: خلصوا من النار، فمعنى الحديث - والله أعلم - على الخصوص لمن يكون له تبعات يسيرة؛ إذ المقاصة أصلها في كلام العرب مقاصصة وهي مفاعلة وهي لا تكون غالبا إلا من اثنين كالمشاتمة والمقاتلة، وكأن كل واحد منهم له على أخيه مظلمة وعليه له مظلمة، ولم يكن في شيء منها ما يستحق عليه النار، فيتقاصون بالحسنات والسيئات، فمن كانت مظلمته أكثر من مظلمة أخيه أخذ من حسناته فيدخلون الجنة، ويقتطعون فيها المنازل على قدر ما بقي لكل واحد منهم من الحسنات؛ فلهذا يتقاصون بعد خلاصهم من النار - والله أعلم - لأن أحدا لا يدخل الجنة ولأحد عليه تباعة وإن قلت. فإذا نقوا وهذبوا دخلوا الجنة. وإنما عرفوا منازلهم بها لتكرر عرضها عليهم بالغداة والعشي، فيقال له: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة.

وقال المهلب : هذه المقاصة إنما تكون في المظالم في الأبدان من اللطمة وشبهها، مما يمكن فيه أداء القصاص بحضور بدنه، فيقال [ ص: 569 ] للمظلوم: إن شئت أن تنتصف وإن شئت أن تعفو.

وقال غيره: الآثار تدل على أنه لا قصاص في الآخرة في العرض والمال وغيره إلا بالحسنات والسيئات، فمن ظلم غيره وكانت له حسنات أخذ منها وزيد في حسنات المظلوم، فإن لم يكن للظالم حسنات أخذ من سيئات المظلوم وردت على الظالم.

قلت: قد روى أبو الفضل في "ترغيبه" من حديث سعيد بن المسيب أنه - عليه السلام - قال: "إذا فرغ الله من القضاء أقبل على البهائم حتى أنه ليجعل للجماء التي تنطحها القرناء قرنين تنطح بهما الأخرى ".

وقال ابن التين : القنطرة: كل شيء ينصب على عين أو واد أو شيء له عين، ويحتمل أن يكون طرف الصراط، قاله الداودي .

وقال الهروي : سمي البناء قنطرة؛ لتكاتف بعض البناء على بعض، والقناطر عند العرب: الملأ الكبير، وسماها القرطبي : الصراط الثاني. والأول لأهل المحشر كلهم إلا من دخل الجنة بغير حساب أو تلتقطه عنق النار، فإذا خلص من خلص من الأكثر - ولا يخلص منه إلا المؤمنون حبسوا على صراط خاص بهم، ولا يرجع إلى النار من هذا أحد، وهو معنى قوله: "يخلص المؤمنون من النار"، أي: من الصراط المضروب على النار. [ ص: 570 ]

قال مقاتل : إذا قطعوا جسر جهنم حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فإذا هذبوا قال لهم رضوان: سلام عليكم.

وذكر القرطبي حديثا أن الجنة بعد الصراط، فلعله بعد الثاني، هذا بدليل حديث البخاري أو يكون ذلك في حق من يدخل النار ويخرج بالشفاعة، فهؤلاء لا يحبسون بل إذا خرجوا بثوا على أنهار الجنة.

وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أصحاب الجسر محبوسون بين الجنة والنار يسألون عن فضول أموال كانت بأيديهم "، ولا تعارض بين هذا وحديث الباب؛ لأن معناهما مختلف لاختلاف أحوال الناس، وكذا لا تعارض بين قوله: "لأحدهم أهدى بمنزله كان في الدنيا" وبين قول عبد الله بن سلام : إن الملائكة تدلهم على طريق الجنة. فإن هذا يكون ممن لم يحبس على قنطرة ولم يدخل النار، فيخرج منها فيطرح على باب الجنة. وقد يحتمل أن يكون ذلك في الجمع، فإذا وصلت بهم الملائكة كان كل واحد أعرف بمنزله، وهو معنى قوله تعالى: ويدخلهم الجنة عرفها لهم [محمد: 6] وقال أكثر المفسرين: إذا دخل أهل الجنة الجنة يقال لهم: تفرقوا إلى منازلكم فهم أعرف بها من أهل (الجمعة) إذا انصرفوا. وقيل: إن هذا التعريف إلى المنازل بدليل وهو الملك الموكل بعمل العبد يمشي بين يديه. وفيه بعد. [ ص: 571 ]

وقوله: ("يتقاصون") أي: يتتاركون؛ لأنه ليس موضع مقاصة ولا حساب؛ لكن يلقي الرب جل جلاله في قلوبهم العفو لبعضهم عن بعض، فيتتاركون أو يعوض الله بعضهم من بعض. قال صاحب "المطالع": قوله: ("نقوا وهذبوا") لكافتهم، وعند المستملي : حتى إذا نقصوا وهدأوا. والتنقية: إفراد الجيد من الرديء، وسيأتي له تكملة في الرقاق والحشر إن شاء الله تعالى.

التالي السابق


الخدمات العلمية