التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
[ ص: 585 ] 7 - باب: عفو المظلوم

لقوله تعالى - عز وجل -: إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا [النساء: 149]، وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين إلى قوله: إلى مرد من سبيل [الشورى: 40 - 44] [فتح: 5 \ 100]


التفسير:

معنى إن تبدوا خيرا [النساء: 149] بدلا من السوء أو تخفوا السوء، وإن لم تبدوا خيرا عفوا عن السوء كان أولى، وإن كان ترك العفو جائزا.

وقال الثعلبي : الخير هنا: المال، وقيل: الحسنة. وقوله تعالى: وجزاء سيئة سيئة مثلها [الشورى: 40] يريد به القصاص في الجراح المتماثلة أو في الجراح.

وإذا قال: أخزاه الله أو لعنه الله قابله بمثله، ولا يقابل القذف بالقذف ولا الكذب بالكذب. وأصلح العمل، أي: بينه وبين أخيه فأجره على رب العفو. وسميت الثانية سيئة لازدواج الكلام، ليعلم أنه جزاء على الأول.

وقوله: ( ولمن انتصر ) [الشورى: 41] سلف تفسيرها في الباب قبله. قال قتادة : هذا في القصاص، وأما من ظلمك فلا يحل لك أن تظلمه. [ ص: 586 ]

وروي عن الحسن قال: إذا لعن لعن، وإذا سب سب ما لم يكن حدا أو كلمة لا تصلح. وقيل: المستحب العفو بدليل: ولمن صبر وغفر [الشورى: 43].

والصحيح لا كراهة فيه وأنه مخير، نعم الأفضل العفو من غير كراهة في الآخر، ومن كانت له زلة وعلم أنه لا يعود إلى ظلمه كان الصبر أولى، ومن كان متماديا على جرأته فالصبر فيه ليس بمحمود.

وقوله: ( إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ) [الشورى: 42] أي: بعداوتهم، أي: بالشرك المخالف لدينهم، ويبغون [الشورى: 42] يعملون المعاصي، أو نزلت في النفوس والأموال، أو ما ترجوه قريش من أن يكون بمكة غير الإسلام.

عزم الأمور [الشورى: 43] العزائم التي أمر الله بها أو عزائم الصواب التي وفق لها، نزلت مع ثلاث آيات قبلها في أبي بكر، شتمه بعض الأنصار فرد عليه ثم سكت عنه، وقد سلف.

وما أسلفناه من أن العفو أولى وجهه ما جاء فيه من الترغيب.

وروي عن أحمد بن حنبل قال: قد جعلت المعتصم بالله في حل من ضربي ومحنتي؛ لأنه حدثني هاشم بن القاسم عن ابن المبارك : حدثني من سمع الحسن البصري يقول: إذا جثت الأمم بين يدي رب العالمين يوم القيامة ينادي مناد: ليقم من أجره على الله. فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا، ويصدق هذا الحديث قوله تعالى: فمن عفا وأصلح فأجره على الله [الشورى: 40] وكان أحمد يقول: ما أحب أن يعذب الله بسببي أحدا . [ ص: 587 ]

وقال ابن الأنباري : كان الحسن البصري يدعو ذات ليلة: اللهم اعف عمن ظلمني. وأكثر في ذلك فقال له رجل: يا أبا سعيد، لقد سمعتك الليلة تدعو لمن ظلمك حتى تمنيت أن أكون أنا فيمن ظلمك، فما دعاك إلى ذلك: قال: قوله تعالى: فمن عفا وأصلح فأجره على الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية