التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
213 [ ص: 390 ] 55 - باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله

216 - حدثنا عثمان قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بحائط من حيطان المدينة -أو مكة- فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " يعذبان، وما يعذبان في كبير". ثم قال: "بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة". ثم دعا بجريدة، فكسرها كسرتين، فوضع على كل قبر منهما كسرة، فقيل له: يا رسول الله، لم فعلت هذا؟ قال: "لعله أن يخفف عنهما ما لم تيبسا" أو "إلى أن ييبسا". [218، 1361، 1378، 6052، 6055 - مسلم: 292 - فتح: 1 \ 317]


حدثنا عثمان، ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بحائط من حيطان المدينة -أو مكة- فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، فقال: "يعذبان، وما يعذبان في كبير". ثم قال: "بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة". ثم دعا بجريدة، فكسرها كسرتين، فوضع على كل قبر منهما كسرة، فقيل له: يا رسول الله، لم فعلت هذا؟ قال: "لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا" أو "إلى أن ييبسا".

هذا حديث صحيح متفق على صحته والكلام عليه من أوجه، وقد أوضحت الكلام عليه في "شرح العمدة" في نحو كراسة فليراجع منه.

أحدها:

هذا الحديث أخرجه البخاري في مواضع هنا وفي موضعين إثره،

[ ص: 391 ] وفي الجنائز والحج وفي الأدب في موضعين.

وأخرجه مسلم والأربعة هنا، والنسائي في الجنائز، وذكره البخاري قريبا من حديث الأعمش عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس به، وهو أصح من الطريق الأولى كما قاله الترمذي ونقله عن البخاري أيضا، واقتصر عليه مسلم.

وقال ابن حبان في "صحيحه": هما محفوظان. وقد رواه شعبة، عن الأعمش كرواية منصور فأسقط طاوسا.

ثانيها:

وجه مطابقة الحديث للترجمة أنه كبيرة; كونه عذب عليه.

وقد قال ابن عباس: ما عصي الله به فهو كبيرة.

[ ص: 392 ] وللعلماء في ضابط الكبيرة اختلاف، لعلنا نذكره إن شاء الله في موضعه.

ثالثها: في ألفاظه:

قوله: (بحائط من حيطان المدينة) كذا ذكره هنا على الشك، وذكره في كتاب الأدب على الصواب فقال: بالمدينة.

وقوله: "يستتر" هو بتائين مثناتين من فوق من السترة. وروي: "لا يستبرئ". وروي: "لا يستنزه"، وهذه الثلاث في "صحيح البخاري" وغيره. وروي أيضا: "لا يستنتر". والنميمة: نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد. والجريدة: السعفة. كما جاء في بعض الروايات عن أنس، وجمعها جريد.

وقوله: (فكسرها كسرتين) أي: قطعتين.

وقوله: "وما يعذبان في كبير"؛ أي: عندهما وهو عند الله كبير، وإليه يرشد قوله: (..) "بلى"؛ أي في أنه كبير عند الله وفي هذا حسب، وهو حجة على من أنكر حجيتها له.

[ ص: 393 ] وقوله: "لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا أو إلى أن ييبسا". الظاهر أنه شك من الراوي، و(ييبسا) مفتوح الباء ويجوز كسرها، وقد حصل ما ترجاه في الحال فأورقا في ساعته، ففرح بذلك.

وقال: "رفع عنهما العذاب بشفاعتي" وأبعد من قال: إن صاحب هذين القبرين كانا من غير أهل القبلة، وعين بعضهم صاحب أحد القبرين بما لا أوثر ذكره، وإن ذكره القرطبي في "تذكرته" حكاية ووهاه.

رابعها: في فوائده مختصرة:

الأولى: إثبات عذاب القبر ولا عبرة بمن أنكره.

الثانية: وجوب الاستنجاء، وهو المراد بعدم الاستتار من البول. فلا يجعل بينه وبينه حجابا من ماء أو حجر، ويبعد أن يكون المراد الاستتار عن الأعين.

الثالثة: نجاسة الأبوال؛ إذ روي أيضا: "من البول". وسواء قليلها وكثيرها، وهو مذهب العامة، وسهل فيه الشعبي وغيره، وعفا أبو حنيفة عن قدر الدرهم الكبير، ورخص الكوفيون في مثل رءوس الإبر منه.

[ ص: 394 ] الرابعة: حرمة النميمة وهو إجماع.

الخامسة: التسبب إلى تحصيل ما يخفف عن الميت، فإن وضعه - صلى الله عليه وسلم - الجريدة على القبر; لشفاعته لهما بالتخفيف ولتسبيحهما ما دامت رطبة، ومن هذا استحب العلماء قراءة القرآن عند القبر.

[ ص: 395 ] وقد روى البيهقي في أواخر "دلائله" في باب: ما جاء في سماع يعلى بن مرة ضغطة في قبر من حديثه أنه - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يضع إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه. وقال: "فلعله أن يرفه أو يخفف عنه ما لم ييبسا".

التالي السابق


الخدمات العلمية