التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2333 [ ص: 644 ] 22 - باب: أفنية الدور والجلوس فيها والجلوس على الصعدات

وقالت عائشة : فابتنى أبو بكر مسجدا بفناء داره، يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يومئذ بمكة. [انظر: 476]

2465 - حدثنا معاذ بن فضالة، حدثنا أبو عمر حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إياكم والجلوس على الطرقات". فقالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: "فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها" قالوا: وما حق الطريق؟ قال: "غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر". [6229 - مسلم: 2121 - فتح: 5 \ 112]


وهذا مختصر من خروجه إلى الحبشة، وقد سلف في الصلاة.

ثم ساق حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إياكم والجلوس على الطرقات". فقالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: "فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطرق حقها" قالوا: وما حق الطرق؟ قال: "غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر ".

الشرح: عند أبي داود من حديث أبي هريرة : "وإرشاد السبيل"، وعن إسحاق بن سويد، عن ابن حجير العدوي، عن عمر مرفوعا في هذه القصة "وتغيثوا الملهوف وتهدوا الضال ". [ ص: 645 ]

قال البزار : لا نعلم أحدا أسنده إلا جرير بن حازم عن إسحاق بن سويد . ولا رواه عن جرير مسندا إلا ابن المبارك، ويروي هذا الحديث حماد بن زيد عن إسحاق بن سويد مرسلا.

إذا عرفت ذلك، فالكلام عليه من أوجه:

أحدها:

الفناء بكسر الفاء وبالمد. قال ابن ولاد: هو حريم الدار.

والصعدات - بضمتين -: الطرقات واحدها: صعيد، وهو أحسن ممن ضبطه بفتح العين، كما نبه عليه ابن التين؛ لأنه جمع صعد، وصعد جمع صعيد مثل طريق وطرق وطرقات والصعيد وجه الأرض.

ثانيها:

نهيه - عليه السلام - عن الجلوس فيها؛ لئلا يضعف الجالس عن الشروط التي ذكرها الشارع، فلما ذكروا أنهم لا يجدون منه بدا. قال لهم: "أعطوا الطريق حقها" ووصف لهم الأشياء التي وصفها، وذلك مثل نهيه عن الانتباذ في الأوعية، فلما قالوا: لا بد لهم من ذلك، أباح لهم الانتباذ فيها إلا أن يسكر، والذي فهمه العلماء أن هذا النهي ليس على وجه التحريم، وإنما هو من باب سد الذرائع والإرشاد إلى الأصلح.

وفي رواية: "وحسن الكلام" من رد الجواب يريد من جلس على الطريق، فقد تعرض لكلام الناس، فليحسن لهم كلامه ويصلح شأنه. [ ص: 646 ]

روى هشام بن عروة عن عبد الله بن الزبير، قال: المجالس حلق الشيطان إن رأوا حقا لا يقومون به، وإن يروا باطلا فلا يدفعونه. وقال عامر : كان الناس يجلسون في مساجدهم، فلما قتل عثمان خرجوا إلى الطريق يسألون عن الأخبار.

قال سلمان : لا تكونن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، فإنها معركة الشيطان، وبها ينصب رايته.

وقال: السوق مبيض الشيطان ومفرخه.

وقد ترخص في الجلوس بالأفنية والطرق والأسواق قوم من أهل الفضل والعلم ولعلهم إنما فعلوا ذلك؛ لأنهم قاموا بما عليهم فيه.

وقال طلحة بن عبيد الله: مجلس الرجل ببابه مروءة. وقال ابن عوف : مررت بعامر وهو جالس بفنائه. وقال ابن أبي خالد : رأيت الشعبي جالسا في الطريق.

ثالثها:

فيه: وجوب غض البصر عن النظر إلى عورة مؤمن ومؤمنة، وعن جميع المحرمات، وكل ما يخشى الفتنة منه. وقد قال - عليه السلام - لعلي : "لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وعليك الآخرة".

وفيه: وجوب رد السلام على من سلم عليه، ولزوم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وكف الأذى. [ ص: 647 ]

وفيه: قطع الذرائع؛ لأن الجلوس ذريعة تسليط البصر وقلة القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلذلك نهى عنه. قال المهلب : وإنما يلزم المؤمن النفير والإغاثة والعون ما وقعت الحضرة إليه وليس عليه طلب ذلك، إنما عليه ما حضر منها.

وفيه: الدلالة على الندب إلى لزوم المنازل التي يسلم لازمها من رؤية ما يكره رؤيته، وسماع ما لا يحل له سماعه، وما يجب عليه إنكاره، ومن معاونة مستغيث يلزمه إغاثته، وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما أذن في الجلوس بالأفنية والطرق بعد نهيه عنه إذا كان من يقوم بالمعاني التي ذكرها، وإذا كان ذلك كذلك، فالأسواق التي تجمع المعاني التي أمر الشارع الجالس بالطرق باجتنابها مع الأمور التي هي أوجب منها وألزم من ترك الكذب، والحلف بالباطل، وتحسين السلع بما ليس فيها، وغش المسلم، وغير ذلك من المعاني التي لا يطيق القيام بما يلزمه فيها إلا من عصمه الله أحق وأولى بترك الجلوس فيها من الأفنية والطرق، وقد روي نحو هذا عن جماعة من أهل العلم، ونقل ابن التين عن بعض العلماء: إذا كان كارهو المنكر الثلث وفاعلوه الثلثين وجب على كارهيه قتالهم لقوله تعالى: فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين [الأنفال: 66].

التالي السابق


الخدمات العلمية