التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2343 2475 - حدثنا سعيد بن عفير قال: حدثني الليث، حدثنا عقيل عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن". وعن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، إلا النهبة.

قال الفربري: وجدت بخط أبي جعفر: قال أبو عبد الله: تفسيره: أن ينزع منه، يريد الإيمان [5578، 6772، 6810 - مسلم: 57 - فتح: 5 \ 119]


ثم ساق حديث شعبة، ثنا عدي بن ثابت: سمعت عبد الله بن يزيد الأنصاري - وهو جده أبو أمه- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النهبى والمثلة.

وحديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم .. الحديث، وفيه: "ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن". الحديث.

وعن سعيد ، وأبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، إلا النهبة.

[ ص: 20 ] الشرح:

تعليق عبادة أسنده في وفود الأنصار وفي المناقب، وحديث عبد الله بن يزيد من أفراده. والأخير: قال الزهري: أخبرني عبد الملك بن أبي بكر أنه كان يحدثهم بهؤلاء عن أبي هريرة قال: وكان أبو (بكر) يلحق بهن: "ولا ينتهب نهبة ذات شرف.." إلى آخره، وعند مسلم من حديث الأوزاعي عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمة وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي هريرة، وذكر النهبة ولم يقل: "ذات شرف".

قال أبو عبد الله: تفسيره أن ينزع منه الإيمان، وصح: "من انتهب نهبة فليس منا"، أخرجه أبو داود من حديث جابر، وابن حبان من حديث الحسن عن عمران بن الحصين وصححه الترمذي من حديث أنس، ولابن حبان من حديث ثعلبة بن الحكم مرفوعا:

[ ص: 21 ] "إن النهبة لا تحل". ولأحمد عن زيد بن خالد: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النهبة، ولابن أبي شيبة من حديث صحابي: "ليست النهبة بأحل من الميتة". وله من حديث (عبد الرحمن بن سمرة): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة. ومن حديث ابن أبي أوفى مرفوعا: "ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع المسلمون إليها رءوسهم وهو مؤمن".

إذا تقرر ذلك; فالانتهاب الذي قام الإجماع على تحريمه هو ما كانت العرب عليه من الغارات وانطلاق الأيدي على أموال المسلمين بالباطل، فهذه النهبة لا ينتهبها مؤمن كما لا يسرق ولا يزني مؤمن، يعني: مستكمل الإيمان; وعلى هذا وقعت البيعة من حديث عبادة في قوله: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا ننتهب) يعني: أن لا نغير على المسلمين في أموالهم.

قال ابن المنذر: وفسر الحسن والنخعي هذا الحديث فقالا: النهبة المحرمة: أن ينتهب مال الرجل بغير إذنه وهو له كاره; وهو قول قتادة.

قال أبو عبيد: وهذا وجه الحديث على ما فسراه، وأما النهبة المكروهة: فهو ما أذن فيه صاحبه للجماعة وأباحه لهم، وغرضه تساويهم فيه أو مقاربة التساوي، فإذا كان القوي منهم يغلب الضعيف ويحرمه فلم تطب نفس صاحبه بذلك الفعل، وقد اختلف العلماء فيما [ ص: 22 ] ينثر على رءوس الضيفان وفي الأعراس فيكون فيه النهبة، فكرهه مالك والشافعي وأجازه الكوفيون، وإنما كره; لأنه قد يأخذ منه من لا يحب صاحب الشيء أخذه، ويحب أخذ غيره له، وما حكي عن الحسن من أنه كان لا يرى بأسا بالنهاب في العرسان والولائم، وكذلك الشعبي فيما رواه ابن أبي شيبة، فليس من النهبى المحرمة، وكذا حديث عبد الله بن قرط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في البدن التي نحرها: "من شاء اقتطع".

قال الشافعي: صار ملكا للفقراء خلى بينه وبينهم، وحديث معاذ: "إنما نهيتكم عن نهبى العساكر، فأما العرسان فلا، فجاذبهم وجاذبوه" ضعفه البيهقي بالضعف والجهالة والانقطاع.

قال الشافعي: فإن أخذ النثار آخذ لا تجرح شهادته; لأن كثيرا يزعم أنه مباح; لأن مالكه إنما طرحه لمن يأخذه، وأما أنا فأكرهه لمن أخذه، وكان أبو مسعود الأنصاري يكرهه، وكذلك إبراهيم وعطاء وعكرمة ومالك.

[ ص: 23 ] وقال ابن المنذر: إنما أكرهه; لأن من أخذه إنما أخذه بفضل قوة وقلة حياء، ولم يقصد به هو وحده، وإنما قصد به الجماعة، ولا يعرف حظه من حظ غيره، فهو خلسة وسحت. قال: وحديث البدنات حجة في إجازة ما ينثر في الملاك وغيره وأبيح أخذه; لأن المبيح لهم ذلك قد علم اختلاف قوتهم في الأخذ، وليس في البدن التي أباحها لأصحابه معنى إلا وهو موجود في النثار.

فرع: ذكر ابن قدامة أنه يجب القطع على المنتهب قبل القسمة، وحكي عن داود وجوبه على من أخذ مال الغير ولو من غير حرز.

فائدة:

(النهبى) و (النهبة): اسم ما نهب; مأخوذة من النهب كالعمرى من العمر، والمنتهب: هو الذي يأخذ الشيء عيانا بغلبة سابقه ومبادرة لغيره.

أخرى: (المثلة) بضم الميم وإسكان المثلثة، ويقال أيضا: بفتح الميم وضم الثاء، وجمعها مثلات، وضبطه ابن التين بفتح الميم وضم الثاء، ثم قال: وضبط في بعض الكتب بالأول، قال: وهي العقوبة في الأعضاء؛ كجدع الأنف والأذن وفقء العين. قال ابن فارس: مثل بالقتيل: إذا جدعه.

فرع:

من مثل بعبده عتق عند مالك; خلافا لأبي حنيفة والشافعي. وقال بعض المتأخرين: يخير العبد في ذلك، وهل يعتق بنفس المثلة؟ فيه روايتان للمالكية. واختلفوا إذا مثل بعبد غيره، فنص "المدونة": يعتق عليه. وقال عبد الملك: لا يعتق عليه، بخلاف عبده.

[ ص: 24 ] تنبيه:

قال ابن التين: معلوم أن أموال المسلمين محرمة، والحديث إنما هو مؤول في المغازي ينهب بما غنم من غير قسمة، وكذا إذا قدم إليهم طعام أكل كل واحد بما يليه ولا ينتهب. قال: وحمل بعضهم الحديث على عمومه ولم يجزه في النثار ونحوه. وقال بعضهم: إنما ذلك فيما لم يؤذن في انتهابه، وأما ما أذن فيه فغير ذلك، واحتج بحديث البدنات، وهذا مثل تبويب البخاري: النهبة بغير الإذن.

خاتمة:

قوله: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، وذكر مثله في شرب الخمر، وأكثر العلماء أن معناه: ليس بمستكمل لشرائع الإيمان.

وقال البخاري: تفسيره أن ينزع عنه نور الإيمان وهو قريب من الأول. وقيل: يزول منه اسم البناء بالإيمان لا نفس الإيمان. وقيل: أنذره أن يزول إيمانه إذا استمر على ذلك، مثل (من يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه). وقيل: يعتزله الإيمان عند مقارنة فعله هذه الأشياء. وقيل: إن ارتكبها مستحلا، ورواه بعضهم: "لا يشرب الخمر" بكسر الباء على معنى النهي، يعني: إذا كان مؤمنا فلا يفعل، وستأتي له تكملة في الحدود إن شاء الله تعالى.

التالي السابق


الخدمات العلمية