التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2348 [ ص: 32 ] 33 - باب: من قاتل دون ماله فهو شهيد 2480 - حدثنا عبد الله بن يزيد، حدثنا سعيد -هو: ابن أبي أيوب- قال: حدثني أبو الأسود عن عكرمة، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من قتل دون ماله فهو شهيد". [ مسلم: 141 - فتح: 5 \ 123]


ذكر فيه حديث عبد الله بن عمرو قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل دون ماله فهو شهيد".

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا، وهو للأربعة من حديث سعيد بن زيد بزيادة: "ومن قتل دون أهله، أو دون دمه، أو دون دينه، فهو شهيد". قال الترمذي: حسن صحيح.

ولأبي داود من حديث ابن عمرو: "من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد" . وللإسماعيلي: "من قتل دون ماله مظلوما فله الجنة".

ثم قال البخاري: رواه عن المقرئ; فقال: "فهو شهيد"، ودحيم، وابن أبي عمر، وعبد العزيز بن سلام; كلهم رووه عن المقرئ، فقالوا: "فله الجنة"، وكلهم قال: "مظلوما" ولم يقله البخاري، ويشبه أن يكون نقله من حفظه، أو سمعه من المقرئ من حفظه، فجاء بالحديث على ما جرى به اللفظ في هذا الباب، ومن جاء به على غير ما اعتيد من اللفظ فيه فهو بالحفظ أولى ولا سيما فيهم مثل: دحيم، وكذلك ما زادوه من قوله: "مظلوما"، فإن المعنى: لا يجوز إلا أن يكون كذلك. ورواه أبو نعيم في "مستخرجه" عن محمد بن أحمد، عن بشر بن [ ص: 33 ] موسى، عن عبد الله بن يزيد المقرئ بلفظ: "من قتل دون ماله مظلوما فهو شهيد"، كما رواه البخاري بزيادة: "مظلوما".

إذا تقرر ذلك; فـ(دون) في الأصل ظرف مكان بمعنى: أسفل، وتحت نقيض فوق، وقد استعملت في هذا الحديث بمعنى: لأجل، السببية، وهو مجاز وتوسع، ووجهه: أن الذي يقاتل على ماله إنما جعله خلفه أو تحته، ثم يقاتل عليه.

والشهيد سمي بذلك; لأنه حي، لأن أرواحهم شهدت دار السلام وأرواح غيرهم لا تشهدها إلا يوم القيامة; ولأن الرب وملائكته يشهدون له بالجنة؛ فشهيد مشهود له، أو لأنه يشهد عند خروج روحه ما له من الثواب والكرامة، وغير ذلك مما أوضحته في كتاب "لغات المنهاج".

قال الترمذي: قد رخص بعض أهل العلم للرجل أن يقاتل عن نفسه وماله. وقال ابن المبارك: يقاتل عن ماله ولو درهمين، وإنما أدخل هذا الحديث في هذه الأبواب ليريك أن للإنسان أن يدفع عن نفسه وماله، فإذا كان شهيدا إذا قتل في ذلك، كان إذا قتل من أراده في مدافعته له عن نفسه لا دية فيه عليه ولا قود.

قال المهلب: وكذلك كل من قاتل على ما يحل له القتال عليه من أهل أو دين، فهو كمن قاتل دون نفسه وماله، فلا دية عليه ولا تبعة، ومن أخذ في ذلك بالرخصة وأسلم المال والأهل والنفس، فأمره إلى الله، والله تعالى (يقدره) ويأجره، ومن أخذ في ذلك بالشدة وقتل كانت له الشهادة بهذا الحديث.

[ ص: 34 ] واختلفت أقوال أهل العلم في الباب:

قال ابن المنذر: روينا عن جماعة من أهل العلم أنهم رأوا قتال اللصوص ودفعهم عن أنفسهم وأموالهم، وقد أخذ ابن عمر لصا في داره فأصلت عليه السيف. قال سالم: فلولا أنا لضربه به.

وقال النخعي: إذا خفت أن يبدأك اللص فابدأه. وقال الحسن: إذا طرق اللص بالسلاح فاقتله، وروينا هذا المعنى عن غير واحد من المتقدمين، وسئل مالك عن القوم يكونون في السفر فيلقاهم اللصوص. قال: تناشدونهم الله، فإن أبوا وإلا قوتلوا.

وعن الثوري وابن المبارك قال: تقاتلونهم ولو على دانق. وقد سلف عن ابن المبارك على درهمين، ونقله الثوري عن جماهير العلماء. وقال بعض المالكية: لا يجوز قتله إذا طلب شيئا يسيرا كالثوب والطعام. وحكاه ابن التين عن مالك، وقال عبد الملك: إن قدر أن يمتنع مع اللصوص فلا يعطيهم شيئا.

وقال أحمد: إذا كان اللص مقبلا، وأما موليا فلا. وعن إسحاق مثله. وقال أبو حنيفة في رجل دخل على رجل ليلا للسرقة ثم خرج بالسرقة من الدار، فأتبعه الرجل فقتله: لا شيء عليه.

وكان الشافعي يقول: من أريد ماله في مصر أو صحراء، أو أريد حريمه فالاختيار له أن يكلمه ويستغيث، فإن منع أو امتنع لم يكن له قتاله، فإن أبى أن يمتنع من قتله من أراده فله أن يدفع عن نفسه وعن [ ص: 35 ] ماله، وليس له عمد قتله، فإن أتى ذلك على نفسه فلا عقل فيه ولا قود ولا كفارة .

قال ابن المنذر: والذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يقاتل عن نفسه وأهله وماله إذا أريد ظلما؛ لحديث الباب، ولم يخص وقتا دون وقت ولا حالا دون حال إلا السلطان، فإن كل من يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على أن من لم يمكنه أن يدفع عن نفسه وماله إلا بالخروج على السلطان ومحاربته أن لا يفعل; للآثار التي جاءت عن الشارع بالأمر بالصبر على ما يكون منه من الجور والظلم وترك القيام عليهم ما أقاموا الصلاة، وما قلناه من إباحة أن يدفع الرجل عن نفسه وماله قول عوام أهل العلم إلا الأوزاعي؛ فإنه كان يفرق بين الحال التي الناس فيها جماعة وإمام، وبين حال الفتنة التي لا جماعة فيها ولا إمام. فقال في تفسير قوله: "فمن قتل دون ماله فهو شهيد": إذا أقلعت الفتنة عن الجماعة، وأمنت السبل، وحج البيت، وجوهد العدو، وقعد اللص لرجل يريد دمه أو ماله قاتله، وإن كان الناس في معمعة وقتال فدخل عليه يريد دمه وماله اقتدى بمحمد بن مسلمة.

فرع:

لا يجب الدفع عندنا عن المال إذا لم يكن ذا روح، أما الحيوان فكالنفس ما لم يخش على نفسه لحرمته، ويجب عن البضع بشرطه، وكذا نفس قصدها كافر أو بهيمة لا مسلم على الأصح.

[ ص: 36 ] فرع:

لو أراد استهلاك القوم قوتلوا جزما كالمحاربين إن قدر عليهم قبل التوبة، وإلا أقيد منهم (وبيعوا) بالأموال وأخذ منهم صداق من (وطئوه) أمة كانت أو حرة عند مالك مع الحد. وقال غيره: لا يجتمع الحد والصداق، وهو قول أبي حنيفة وإذا انهزم اللصوص فاختلف في اتباعهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية