التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2350 [ ص: 42 ] 35 - باب: إذا هدم حائطا فليبن مثله 2482 - حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا جرير بن حازم، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كان رجل في بني إسرائيل، يقال له: جريج، يصلي، فجاءته أمه فدعته، فأبى أن يجيبها، فقال أجيبها أو أصلي؟ ثم أتته، فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه [وجوه] المومسات. وكان جريج في صومعته، فقالت امرأة: لأفتنن جريجا. فتعرضت له فكلمته فأبى، فأتت راعيا، فأمكنته من نفسها فولدت غلاما، فقالت: هو من جريج. فأتوه، وكسروا صومعته فأنزلوه وسبوه، فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام، فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: الراعي. قالوا: نبني صومعتك من ذهب. قال: لا، إلا من طين". [انظر: 1206 - مسلم: 2550 - فتح: 5 \ 126]


ذكر فيه حديث جريج بطوله، وقد سبق، وإلى تبويب البخاري نحا الشافعي وأبو حنيفة وأبو ثور، فقالوا: إذا هدم رجل لآخر حائطا، فإنه يبني له مثله، فإن تعذرت المماثلة رجع إلى القيمة، واقتضى بحث المتأخرين من الشافعية أن الجدار متقوم وأنه يضمن بالمثل، ونقله النووي في "فتاويه" عن النص، واختلف قول مالك في ذلك، والأشبه بالحديث الإعادة.

و (المومسات) الزواني. وفيه: أن الطفل يدعى غلاما، وهو أحد من تكلم في المهد، كما سلف. وقيل: إنه أجاب في بطن أمه.

[ ص: 43 ] وفيه: المطالبة كما طالبت بنو إسرائيل جريجا بما ادعته المرأة عليه.

وفيه: استنقاذ الرب جل جلاله لصالح عباده وأوليائه عند جور العامة وأهل الجهل عليهم بآية فيريهم الله إياها، فإن كانت عرضت في الإسلام، فكرامة يكرمه الله بها وسبب يسببه، لا بخرق عادة ولا قلب عين. قال ابن بطال: وإنما كانت الآيات في بني إسرائيل; لأن النبوة كانت ممكنة فيهم غير ممتنعة عليهم، ولا نبي بعد نبينا، فليس يجري من الآيات بعده ما يكون خرقا للعادة ولا قلبا لعين، وإنما يكون كرامة لأوليائه؛ مثل دعوة مجابة، ورؤيا صالحة، وبركة ظاهرة، وفضل بين، وتوفيق من الله إلى الإبراء بما اتهم به الصالحون وامتحن به المتقون، وفي دعاء أمه عليه وهو في الصلاة دليل أن دعاء الوالدين إذا كان بنية خالصة أنه قد يجاب، وإن كان في حال ضجر وحرج ولم يكن على صواب; لأنه قد أجيب دعاء أمه بأن امتحن مع المرأة التي كذبت عليه، إلا أنه تعالى استنقذه بمراعاته لأمر ربه فابتلاه وعافاه، وكذلك يجب (للإنسان) أن يراعي أمر ربه تعالى ودينه ويقدمه على أمور دنياه فتحمد عاقبته.

وقوله: (فتوضأ وصلى) فيه دلالة أن الوضوء كان لغير هذه الأمة، وأن هذه الأمة خصت بالغرة والتحجيل، خلافا لمن خصها بأصل الوضوء، وقد جاء في حديث سارة حين أخذها الكافر من إبراهيم أنها توضأت وصلت حتى غط الكافر وركض برجله، كما سيأتي في الإكراه، وقد روي أنه لما توضأ ثلاثا ثلاثا. قال: "هذا [ ص: 44 ] وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي" ، فثبت بهذا كله أن الوضوء مشروع قبل هذه الأمة.

التالي السابق


الخدمات العلمية