1. الرئيسية
  2. التوضيح لشرح الجامع الصحيح
  3. كتاب العتق
  4. باب إذا أعتق نصيبا في عبد، وليس له مال، استسعي العبد غير مشقوق عليه، على (نحو الكتابة)

التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2390 2527 - حدثنا مسدد، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أعتق نصيبا -أو شقيصا- في مملوك، فخلاصه عليه في ماله إن كان له مال، وإلا قوم عليه، فاستسعي به غير مشقوق عليه". تابعه حجاج بن حجاج، وأبان، وموسى بن خلف، عن قتادة. اختصره شعبة. [انظر: 3492 - مسلم: 1502، 1503 - فتح: 5 \ 156]


ذكر فيه حديث جرير بن حازم، سمعت قتادة: حدثني النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أعتق شقصا من عبد" وفي لفظ آخر: "من نفس" ثم رواه من حديث سعيد عن قتادة به بلفظ: "من أعتق شقيصا من عبد أو نصيبا في مملوك، فخلاصه عليه في ماله إن كان له مال، وإلا قوم عليه، فاستسعي به غير مشقوق عليه".

[ ص: 152 ] تابعه حجاج بن حجاج، وأبان، وموسى بن خلف، عن قتادة. واختصره شعبة.

حديث سعيد وهو ابن أبي عروبة، عن قتادة، سلف في باب تقويم الأشياء بين الشركاء.

وقوله: (تابعه) يعني ابن أبي عروبة، ومتابعة أبان أخرجها أبو داود عن مسلم بن إبراهيم عنه، والنسائي عن المخرمي، عن أبي هشام المخزومي، عنه، ومتابعة موسى بن خلف سلفت من عند الحافظ أبي بكر.

قال ابن عبد البر: حديث أبي هريرة خلاف حديث ابن عمر، وأما هشام الدستوائي وشعبة وهمام بن يحيى فرووه عن قتادة من غير ذكر السعاية، وهم أثبت من ذكرها، وأصحاب قتادة الذين هم الحجة على غيرهم عند أهل العلم بالحديث ثلاثة: شعبة وهشام وسعيد بن أبي عروبة، فإذا اتفق منهم اثنان فهم حجة على الواحد منهم، وقد اتفق شعبة وهشام على ترك ذكر السعاية في هذا الحديث فضعف بذلك كله ذكر السعاية.

وذهب مالك وأصحابه إلى أن المليء إذا أعتق نصيبه من عبد مشترك فلشريكه أن يعتق وأن يقوم، فإن أعتق نصيبه كما أعتق شريكه قبل التقويم، فالولاء بينهما، وما لم يقوم ويحكم بعتقه فهو كالعبد في جميع أحكامه، فإن كان المعتق عديما لا مال له لم يعتق من العبد [ ص: 153 ] غير حصته، ويبقى نصيب الآخر رقا له يخدمه العبد يوما، ويكتسب لنفسه يوما، وهو في جميع أحواله كالعبد، وإن كان المعتق موسرا ببعض نصيب شريكه قوم عليه بقدر ما يجد معه من المال ورق بقيته، ويقضى عليه بذلك كما يقضى في سائر الديون اللازمة والجنايات الواجبة، ويباع عليه شوار بيته وما له من كسوته، وكذلك قال داود وأصحابه: أنه لا يعتق عليه حتى يؤدي القيمة إلى شريكه، وهو قول الشافعي في القديم. وقال في الجديد: إذا كان المعتق لحصته موسرا في حين العتق جميعه حينئذ، وكان حرا من يومه، يرث ويورث وله ولاؤه، ولا سبيل للشريك على العبد، وإنما له قيمة نصيبه على شريكه، كما لو قتله، وسواء أعطاه القيمة أو منعه إذا كان موسرا يوم العتق، وإن كان معسرا فالشريك على ملكه يقاسمه كسبه، أو يخدمه يوما ويخلى ونفسه يوما، ولا سعاية عليه.

وقال أيضا: فإن مات العبد وله وارث ورث بقدر ولايته، وإن مات له موروث لم يرث منه شيئا، وله قول آخر في ميراث من كان بعضه حرا، واختار المزني الجديد، وقال: هو الصحيح على أصله; لأنه قال: لو أعتق الثاني كان عتقه باطلا، وقد قطع بأن هذا أصح في أربعة مواضع من كتبه، قاله في "اختلاف الحديث" وفي "اختلاف ابن أبي ليلى وأبي حنيفة". وقال في كتاب [الوصايا] بالقول الأول.

[ ص: 154 ] وقال سفيان الثوري: إذا كان للمعتق حصته من العبد مال ضمن نصيب شريكه، ولم يرجع به على العبد ولا سعاية على العبد، وكان الولاء له، وإن لم يكن له مال فلا ضمان عليه، وسواء نقص العبد من قيمة نصيب الآخر أو لم ينقص، يسعى العبد في نصف قيمته حينئذ، وكذلك قال أبو يوسف ومحمد، وفي قولهم يكون العبد كله حرا ساعة أعتق الشريك نصيبه، فإن كان موسرا ضمن لشريكه نصف قيمة عبد، وإن كان معسرا سعى العبد في ذلك الذي لم يعتق، ولا يرجع على أحد بشيء، والولاء كله للمعتق، وهو بمنزلة الحر في جميع أحكامه ما دام في سعايته من يوم أعتق، يرث ويورث. وهو قول الأوزاعي. وعن ابن شبرمة وابن أبي ليلى مثله، إلا أنهما جعلا للعبد أن يرجع على المعتق بما سعى فيه متى أيسر.

وعن ابن عباس أنه جعل المعتق بعضه حرا في جميع أحكامه.

وقال أبو حنيفة: إذا أعتق نصيبه وهو موسر فالشريك بالخيار، إن شاء أعتق نصيبه كما أعتق الآخر، وكان الولاء بينهما، وإن شاء استسعى العبد في نصف قيمته ويكون الولاء بينهما، وإن شاء ضمن شريكه نصف قيمته، ويرجع الشريك بما ضمن من ذلك على العبد يستسعيه فيه إن شاء، ويكون الولاء كله للشريك وقد سلف.

واحتج لهم بما رواه ابن حزم من طريق عبد الرزاق عن معمر، عن أبي حمزة، عن النخعي: أن رجلا أعتق شركا له في عبد وله شركاء يتامى. فقال عمر: ينظر لهم حتى يبلغوا، فإن أحبوا أن يعتقوا وإن [ ص: 155 ] أحبوا أن يضمن لهم ضمن. قال ابن حزم: وهذا لا يصح عن عمر، إنما رواه أبو حمزة ميمون، وليس بشيء، ثم هي منقطعة; لأن إبراهيم لم يولد إلا بعد موت عمر بسنين كثيرة.

قلت: قد أخرجه الطحاوي متصلا من حديث يونس، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد: أن الأسود ذكر لعمر .. الحديث.

وقال أبو حنيفة: وإن كان المعتق معسرا، فالشريك بالخيار، إن شاء ضمن العبد نصف قيمته يسعى فيها، والولاء بينهما وإن شاء أعتقه كما أعتق صاحبه والولاء بينهما. قال: والعبد المستسعى ما دام في سعايته بمنزلة المكاتب في جميع أحكامه.

وقال زفر: العبد كله على المعتق حصته منه، ويتبع بقيمته حصة شريكه موسرا كان أو معسرا.

قال ابن عبد البر: لم يقل زفر بحديث ابن عمر ولا بحديث أبي هريرة في هذا الباب، وكذا أبو حنيفة لم يقل بواحد منهما على وجهه. وقال أحمد بحديث ابن عمر في هذا الباب، وقوله فيه كنحو قول الشافعي، وهو يدل على أن حديث ابن عمر عنده أصح من [ ص: 156 ] حديث أبي هريرة، وأنه لم يصح عنده ذكر السعاية.

وقال إسحاق: إن كان للشريك المعتق مال فكما قال أحمد: يضمن، وإن لم يكن له إلا دار وخادم فإنه لا يجعل ذلك مالا. قال: وإن كان معسرا استسعى العبد لصاحبه، واتفق أحمد وإسحاق وسفيان بأن العتق إذا وقع والمعتق موسرا ثم أفلس لم يتحول عنه الغرم، كما لو وقع وهو مفلس ثم أيسر لم يلزمه شيء. وقال ربيعة: من أعتق حصته من عبد أن العتق باطل موسرا كان أو معسرا.

وذكر عن ابن سيرين عن بعضهم أنه جعل قيمة حصة الشريك في بيت المال. وقال عثمان البتي: لا شيء على المعتق إلا أن تكون جارية رائعة تراد للوطء، فيضمن ما أدخل على صاحبه فيها من الضرر.

قال ابن حزم: وقال بكير بن الأشج في اثنين بينهما عبد، فأراد أحدهما أن يعتق أو يكاتب فإنهما يتقاومانه، وعن الأسود قال: كان لي [ ص: 157 ] ولإخوتي غلام أردت عتقه فذكرت ذلك لعمر، فقال: أتفسد عليهم نصيبهم؟ اصبر حتى يبلغوا، فإن رغبوا فيما رغبت فيه وإلا لم تفسد عليهم نصيبهم.

وعن عطاء وعمرو بن دينار في اثنين أعتق أحدهما نصيبه، فأراد الآخر أن يجلس على حقه في العبد، فقال العبد: أنا أقضي قيمتي، فقالا: سيده أحق بما بقي يجلس عليه إن شاء. وعن معمر في عبد بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه، ثم أعتق الآخر بعد، فولاؤه وميراثه بينهما، وهو قول الزهري أيضا.

وقال ربيعة في عبد بين ثلاثة، أعتق أحدهم نصيبه، وكاتب الآخر نصيبه، وتمسك الآخر بالرق ثم مات العبد، فإن الذي كاتب يرد ما أخذ منه، ويكون جميع ما ترك بينه وبين المتمسك بماله ويقتسمانه.

وقال عبيد الله بن أبي يزيد: إن أعتق شركا له في عبد وهو مفلس، فأراد العبد نفسه بقيمته، فهو أولى بذلك.

قال أبو عمر: وأما من أعتق حصة من عبده الذي لا شركة فيه لأحد معه، فإن جمهور العلماء بالحجاز والعراق يقولون: يعتق عليه كله ولا سعاية عليه.

وقال أبو حنيفة وربيعة وهو قول طاوس وحماد: يعتق منه ذلك النصيب ويسعى لمولاه في بقية قيمته موسرا كان أو معسرا.

[ ص: 158 ] وهو قول أهل الظاهر، وخالف أبا حنيفة أبو يوسف ومحمد وزفر فأعتقوا العبد كله دون سعاية، وهو قول مالك والثوري والشافعي والأوزاعي وابن أبي ليلى وابن شبرمة والحسن بن صالح والليث وأحمد وإسحاق، كلهم قال: يعتق عليه كله إذا كان العتق في الصحة، وفي مثل هذا جاء الأثر: "ليس لله شريك".

روى أبو الوليد الطيالسي، عن همام، ثنا قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه أن رجلا أعتق شقصا له من غلام، فذكر ذلك لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ليس لله شريك".

وكذا روي عن ابن عمر بسند قال فيه ابن حزم وفي الأول: هذان إسنادان صحيحان.

وما حكاه أبو عمر عن أهل الظاهر خالف فيه ابن حزم فقال: إذا أعتق من عبده ظفرا أو شعرة أو غير ذلك عتق كله بلا استسعاء، وكذا لو أعتق جنين أمته قبل أن تنفخ فيه الروح عتقت هي بذلك; لأنه بعضها وشيء منها، وسئل ابن عباس عن رجل قال لخادمه: فرجك حر. قال: هي حرة أعتق منها قليلا أو كثيرا فهي حرة.

[ ص: 159 ] قال ابن حزم: ولا يعلم لابن عباس في هذا مخالف من الصحابة. وعن الحسن: إذا أعتق من غلامه شعره أو إصبعه فقد عتق، وكذا قاله قتادة والشعبي.

وقال مالك: إذا أوصى أن يعتق من عبده تسعة أعشاره عتق ما سمى دون سائره، وهذا نقض لمذهبه.

وقال أبو حنيفة وأصحابه: حاشا زفر: لا يحب العتق بذكر شيء من الأعضاء في ذكر عتق الرأس أو الوجه أو الروح أو النفس أو الجسد أو البدن، فأي هذا عتق عتق جميعه.

واختلف عنه في عتقه الرأس أو الفرج أيعتق بذلك أم لا؟

وحجة أبي حنيفة ما رواه إسماعيل بن أمية، عن أبيه، عن جده أنه أعتق نصف عبده، فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عتقه، وقد جاء عن الحسن مثل قوله أيضا وهو قول الشعبي وعبيد الله بن الحسن، وروي عن علي أيضا وليس بالثابت. وقد روي أيضا عن الشعبي: لو أعتق من عبده عضوا أو إصبعا عتق عليه كله، وكذا قاله قتادة.

قلت: وقد تقرر أن الاستسعاء مذهب أهل الكوفة، وهو قول الثوري والأوزاعي، ومذهب الثلاثة نفيها; لأنه لم يتعد ولا جنى ما يجب عليه ضمانه ولا يؤخذ أحد بجناية غيره، وحديث ابن عمر يبطل الاستسعاء;

[ ص: 160 ] لأنه لم يذكر فيه، وقد روى همام وشعبة وهشام هذا الحديث عن قتادة بدونها، ولما ساقه الدارقطني ساقه من قول قتادة، ثم قال: ما أحسن ما رواه همام وضبطه، فصل قول قتادة.

قال الأصيلي: ومن أسقطها أولى ممن ذكرها، وحديث عمران في الستة لم يذكره فيه، وعلى مذهب أبي حنيفة كان يجب أن يعتق من كل واحد يلزمه السعي في قيمة الباقي منه، والشارع أقرع بينهم فأعتق اثنين منهم، وهذا مخالف لما يقوله أبو حنيفة.

التالي السابق


الخدمات العلمية