التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2442 2581 - حدثنا إسماعيل قال: حدثني أخي، عن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، أن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كن حزبين؛ فحزب فيه: عائشة، وحفصة، وصفية، وسودة، والحزب الآخر: أم سلمة وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرها، حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة، بعث صاحب الهدية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة.

فكلم حزب أم سلمة، فقلن لها: كلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم الناس، فيقول: من أراد أن يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فليهده إليه حيث كان من بيوت نسائه، فكلمته أم سلمة بما قلن، فلم يقل لها شيئا، فسألنها. فقالت: ما قال لي شيئا. فقلن لها: فكلميه. قالت: فكلمته حين دار إليها أيضا، فلم يقل لها شيئا، فسألنها. فقالت: ما قال لي شيئا. فقلن لها: كلميه حتى يكلمك. فدار إليها فكلمته، فقال لها: "
لا تؤذيني في عائشة؛ فإن الوحي لم يأتني، وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة". قالت: فقالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله.

ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول: إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر. فكلمته. فقال: "يا بنية، ألا تحبين ما أحب؟". قالت: بلى. فرجعت إليهن فأخبرتهن، فقلن: ارجعي إليه. فأبت أن ترجع، فأرسلن زينب بنت جحش، فأتته فأغلظت، وقالت: إن نساءك ينشدنك الله [ ص: 300 ] العدل في بنت ابن أبي قحافة. فرفعت صوتها، حتى تناولت عائشة وهي قاعدة فسبتها، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر إلى عائشة هل تكلم، قال: فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها. قالت: فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة وقال: "إنها بنت أبي بكر".
[انظر: 2574 - مسلم: 2441 - فتح: 5 \ 205]


قال البخاري: الكلام الأخير قصة فاطمة يذكر عن هشام بن عروة، عن رجل، عن الزهري، عن محمد بن عبد الرحمن. وقال أبو مروان، عن هشام، عن عروة: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة. وعن هشام، عن رجل من قريش، ورجل من الموالي، عن الزهري، عن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: قالت عائشة: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنت فاطمة.

فيه حديث عائشة: كان الناس يتحرون بهداياهم يومي. ثم ساقه بطوله، وفي آخره: عن هشام، عن رجل من قريش، ورجل من الموالي، عن الزهري، عن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال: قالت عائشة: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنت فاطمة.

وهذا أخرجه مسلم عن حسن الحلواني وأبي بكر بن النضر، وعبد بن حميد، ثلاثتهم: عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، [عن أبيه] عن صالح بن كيسان، عن محمد بن عبد الله بن قهزاذ، عن عبد الله بن عثمان، عن ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري.

[ ص: 301 ] ولما رواه النسائي من طريق يعقوب بن إبراهيم وشعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، قال: وكذلك رواه موسى بن أعين، عن معمر، عن الزهري.

ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.

ورواه يحيى بن صالح الوحاظي، عن إسحاق بن يحيى الكلبي، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن عائشة، ولم يتابع عليه.

ورواه ابن عيينة، وزياد بن سعد، عن الزهري، عن علي بن الحسين مرسلا.

قال الذهلي محمد بن يحيى: ورواه أبو مروان الغساني أيضا عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، والصواب حديث الزهري، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عائشة.

وقوله قبل ذلك: (وقال أبو مروان: عن هشام، عن عروة) أبو مروان اسمه يحيى بن أبي زكريا الغساني، وأصله من الشام، نزل واسط.

[ ص: 302 ] وهذا الحديث تقدم بعضه في الباب قبله، وفيه هنا زيادات، منها: أن نساءه كن حزبين.

وقوله في زينب: (فأغلظت، وقالت: إن نساءك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة)؛ قيل: إن ذلك على ما ظهر لها، ولا بأس أن يحابي بعض نسائه إذا لم ينقص من لوازم الباقيات شيئا، وفيه إدلال زينب؛ لقرابتها منه، ولأن الله أنكحها منه، كانت تقول لنسائه: كلكن زوجكن الأولياء، إلا أنا؛ فإن الله زوجني إياه. وكانت بنت عمته، وكانت تسامي عائشة وقد سألها صلى الله عليه وسلم حين قال أهل الإفك ما قالوا في عائشة، فقالت: أحمي سمعي وبصري! ما علمت عليها إلا خيرا. قالت عائشة: فعصمها الله بالورع.

وفيه: أن الناس لم يكونوا يتحرون يوم عائشة بأمره.

وفيه: كما قال الداودي: عذره صلى الله عليه وسلم لزينب. قال ابن التين: ولا أدري من أين أخذه؟

وقوله: "إنها بنت أبي بكر"؛ أي: يعلم مناقب مضر ومثالبها، ولما أمر حسان أن يهجو قريشا. قال: "امض إلى أبي بكر؛ فإنه أعلم بمثالب العرب"، وكان من أعلم الناس، وكان أعلمهم به بعده جبير بن مطعم، تعلم من أبي بكر.

[ ص: 303 ] قال المهلب: وفيه من الفقه أنه ليس على الزوج حرج في إيثار بعض نسائه بالتحف والطرف من المأكل، وإنما يلزمه العدل في المبيت والمقام معهن، وإقامة نفقاتهن، وما لا بد منه من القوت والكسوة، وأما غير ذلك فلا.

وفيه: تحري الناس بالهدايا أوقات المسرة ومواضعها من المهدى إليه؛ ليزيد بذلك في سروره.

وفيه: أن الرجل يسعه السكوت بين نسائه إذا تناظرن في ذلك، ولا يميل مع بعضهن على بعض، كما سكت - عليه السلام- حين تناظرت زينب وعائشة، ولكن قال أخيرا: "إنها بنت أبي بكر"؛ ففيه إشارة إلى التفضيل بالشرف والفهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية