التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2485 [ ص: 438 ] 34 - باب: الاستعارة للعروس عند البناء 2628 - حدثنا أبو نعيم، حدثنا عبد الواحد بن أيمن قال: حدثني أبي قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها وعليها درع قطر ثمن خمسة دراهم، فقالت: ارفع بصرك إلى جاريتي، انظر إليها فإنها تزهى أن تلبسه في البيت، وقد كان لي منهن درع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كانت امرأة تقين بالمدينة إلا أرسلت إلي تستعيره. [فتح: 5 \ 241]


ذكر فيه حديث عبد الواحد بن أيمن: حدثني أبي -وهو أيمن الحبشي المكي مولى ابن أبي عمرو- قال: دخلت على عائشة وعليها درع قطر ثمن خمسة دراهم، فقالت: ارفع بصرك إلى جاريتي، انظر إليها فإنها تزهى أن تلبسه في البيت، وقد كان لي منهن درع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كانت امرأة تقين بالمدينة إلا أرسلت إلي تستعيره.

هذا الحديث من أفراد البخاري.

و (الدرع): القميص، وهو مذكر، بخلاف درع الحديد؛ فإنها مؤنثة.

و (قطر) بقاف مكسورة ثم طاء مهملة، كذا ساكنة في أصل الدمياطي، وفسره بأن قال: القطر: ضرب من البرود يقال: برود قطرية.

وقال ابن بطال: القطريات من غليظ القطن. ولم يذكر غيره، وهو [ ص: 439 ] رواية أبي الحسن، ولأبي ذر: قطن، بالنون.

وقال ابن فارس بعد أن ضبطه بكسر القاف: هو جنس من البرود.

وقال الخطابي: ضرب من المروط غليظ.

قال ابن فارس: والمرط ملحفة يؤتزر به.

وقال صاحب "المطالع": وللقابسي وابن السكن، بالفاء، وهو ضرب من ثياب اليمن بها حمرة.

(تزهى): تتكبر، قال ثعلب في باب (فعل) بضم الفاء: وقد زهيت علينا يا رجل وأنت مزهو، وعن التدميري: مأخوذ من التيه والعجب، وأصله من البشر إذا حسن منظره، وراقت ألوانه. وقال ابن درستويه: العامة يقولون: زها علينا، فتجعل الفعل له، وإنما هو مفعول لم يسم فاعله.

وعند ابن دريد: زها زهوا؛ أي: تكبر.

ومنه قولهم: ما أزهاه، وليس هو من باب زهى; لأن ما لم يسم فاعله لا يتعجب منه. قلت: حكى ابن عصفور وغيره التعجب منه في ألفاظ معدودة منها ما أجنه.

[ ص: 440 ] وأنشد الجوهري:


لنا صاحب مولع بالخلاف ... كثير الخطاء قليل الصواب     ألج لجاجا من الخنفساء
... وأزهى إذا ما مشى من غراب

و (تقين) -بضم أوله- تزين. قال صاحب "الأفعال": قان الشيء قيانة؛ أصلحه. والقينة: الأمة، ومنه قيل للحداد: قين.

قال أبو عمرو: وأصله من: اقتان البيت اقتيانا؛ إذا حسن، ومنه قيل للمرأة: مقينة; لأنها تزين، والقينة: الماشطة، وقيل: التي تجلى على زوجها، والقين: إصلاح الشعر، والقينة: المغنية أيضا.

والقينة: الجارية، وكل صانع عند العرب قين .

وروي بالفاء؛ أي: تعرض وتجلى على زوجها، حكاه ابن التين.

إذا تقرر ذلك: فعارية الثياب في العرس من فعل المعروف، والعمل الجاري عندهم; لأنه مرغب في أجره; لأن عائشة لم تمنع منه أحدا.

وفيه: أن المرأة قد تلبس في بيتها ما خشن من الثياب وما يلبسه بعض الخدم.

وفيه: تواضع عائشة وأخذها بالبلغة في حال اليسار، وقد أعانت المنكدر في كتابته بعشرة آلاف، وذكرت ما كانوا عليه؛ لتتذكر ذلك وتشكر نعم الله.

[ ص: 441 ] واختلف العلماء في عارية الثياب، والعروض، وما يعاب عليه وما لا يعاب، وقد سلف في الباب قبله واضحا.

وممن قال بنفي الضمان الحسن والنخعي والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه، وروي عن عمر أيضا.

وحديث صفوان السالف قال فيه ابن بطال: قد اضطرب جدا فلا حجة فيه، وأيضا لو وجب على الشارع ضمان فيه لم يقل: "إن شئت غرمناها لك".

واحتجوا بالقصعة التي أهدتها بعض أمهات المؤمنين، وقد سلف أنه غرمها.

وقال ابن القصار: اختلفت ألفاظ خبر صفوان فاستعملنا ما ورد منها بالضمان فيما يعاب عليه كما كان في سلاح صفوان وفي القصعة، واستعملنا ما ورد بإسقاط الضمان فيما لا يعاب عليه; لأنه (يمكن) كتمانه، فيكون قد استعملنا كل خبر على فائدة غير فائدة صاحبه،

[ ص: 442 ] ولا يمكن المخالفين استعمالها إلا على معنى واحد فيما يغاب عليه من العارية وما لا يغاب عليه.

أما في وجوب الضمان على قول الشافعي، أو إسقاطه على قول أهل العراق، فاستعمالنا أولى; لكثرة الفوائد.

قال المهلب: وإنما ألزمه ملك الضمان فيما يغاب عليه; لئلا يدعي المستعير هلاك العارية، فيتطرق بذلك إلى أخذ مال غيره.

التالي السابق


الخدمات العلمية