التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2497 [ ص: 477 ] 4 - باب: إذا شهد شاهد، أو شهود بشيء، فقال آخرون: ما علمنا ذلك; يحكم بقول من شهد قال الحميدي: هذا كما أخبر بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة.

وقال الفضل: لم يصل. فأخذ الناس بشهادة بلال. كذلك إن شهد شاهدان أن لفلان على فلان ألف درهم، وشهد آخران بألف وخمسمائة، يقضى بالزيادة.

2640 - حدثنا حبان، أخبرنا عبد الله، أخبرنا عمر بن سعيد بن أبي حسين قال: أخبرني عبد الله بن أبي مليكة، عن عقبة بن الحارث أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز، فأتته امرأة فقالت: قد أرضعت عقبة والتي تزوج. فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني. فأرسل إلى آل أبي إهاب يسألهم، فقالوا: ما علمنا أرضعت صاحبتنا. فركب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كيف وقد قيل؟!". ففارقها، ونكحت زوجا غيره. [انظر: 88 - فتح: 5 \ 251]


ذكر فيه حديث عقبة بن الحارث، وفي آخره: "كيف وقد قيل؟!". ففارقها، ونكحت زوجا غيره. وقد سلف، ولا شك أنه إذا شهد شهود بشيء، وقال آخرون: ما علمنا بذلك. فليس هذا شهادة; لأن من لم يعلم الشيء فليس بحجة على من علمه.

ولهذا المعنى اتفقوا أنه إذا شهد شاهدان بألف، واثنان كذلك، واثنان بألف وخمسمائة، أنه يقضى بالزيادة، ولا خلاف أن البينتين إذا شهدت إحداهما بإثبات شيء، والأخرى بنفيه، وتكافآ في العدالة، أنه يؤخذ بقول [ ص: 478 ] من أثبت دون من نفى; لأن المثبت علم ما جهل النافي، والقول قول من علم.

وليس حديث عقبة مخالفا لهذا الأصل; لأن الشارع لم يحكم بشهادة المرأة، ولا غلب قولها على قول عقبة، وقول من نفى الرضاع من ظهور الإيجاب، وإنما أشار - عليه السلام- إلى أن قول المرأة يصلح للتورع والتنزه للزوج عن زوجته من أجلها.

يوضحه اتفاق أئمة الفتوى على أنه لا تجوز شهادة امرأة واحدة في الرضاع إذا شهدت بذلك بعد النكاح.

ومن هذا الباب ما إذا شهد قوم بعدالة الشاهد، وشهد آخرون بتجريحه، فالقول للثاني إذا تكافأت البينتان; لأن العدالة علم ظاهر، والجرح باطن، فهو زيادة على ما علم الشاهد بالعدالة، هذا قول مالك في "المدونة"، والشافعي وجمهور العلماء، ولمالك في "العتبية" خلافه، وسيأتي.

وما ذكرته من اتفاق أئمة الفتوى هو ما ادعاه ابن بطال، وقد أجاز بعض أهل العلم شهادة المرأة الواحدة في الرضاع.

قال ابن حزم: صح عن ابن عباس وعثمان وعلي وابن عمر والحسن والزهري وربيعة ويحيى بن سعيد وأبي الزناد والنخعي وشريح وطاوس والشعبي (الحكم).

[ ص: 479 ] وفرق عثمان بشهادتها بين رجال ونسائهم، وذكر الشعبي ذلك عن القضاة جملة، وعن الأوزاعي: أقضي بشهادة امرأة واحدة قبل النكاح لا بعده.

وعن الشافعي وأبي سليمان وأصحابنا: يقبل في الرضاع امرأة واحدة.

وعن بعضهم: يجوز مع يمينها.

قاله ابن عباس، وبعضهم قال: لا يجوز في الحكم ويفارقها في الورع.

وأما شهادة القابلة وحدها في الاستهلال، فقال الزهري: مضت به السنة.

وبنحوه قال الشعبي وعطاء وأبو بكر وعمر وعلي بن أبي طالب، قال ابن أبي شيبة: حدثنا حفص بن غياث، عن الشيباني وأبي حنيفة (و)حماد (قالا): تجوز شهادة قابلة واحدة.

قال: أحدهما وإن كانت يهودية.

تنبيهات:

أحدها: قصة بلال والفضل، سلف بيانها واضحا في الصلاة.

[ ص: 480 ] ثانيها: قوله كذلك: (إن شهد شاهدان...) إلى آخره؛ قال الداودي: هو قول مالك، وحجته أن الشهود قد سمع ما سمعه بالألف ولم يسمعه بعضهم، وهذا إذا كان عن مجلس واحد، وقال مالك مرة أخرى: هو يكاذب بعض البينتين إذا ادعى المطلوب الأقل، فإن أنكر وقام الطالب بهما لم ينفعه واحدة منهما، ولا يكون له شيء، وإن ادعى إحداهما أخذ بها، وقد أبى ذلك بعض الناس إذا قالت واحدة: ألف، والأخرى: مائة، ورآه تكاذبا; لأن اللفظين مختلفان، وليس هذا بقول مالك، وأن ذلك قول بعض الناس ولو كان لفظا متفقا، فقال سحنون في شاهدين شهد أحدهما بأربعين، والآخر بخمسة وأربعين، فهما إن أدياها لم يجزها الحاكم، وذلك رأيه، قيل: هل يسع الشاهد أن يسقط [خمسة] ويشهد بأربعين; ليجيز الشهادة؟ قال: لا بأس به. قيل: فإن وجد الطالب من يشهد له بخمسة هل يسع الشاهد الذي أسقطها أن يشهد بها مع هذا؟ قال: نعم، وإن كانت الشهادتان عن مجلس استحق الزيادة، وهي الخمس، فإنه مع ما سلف.

الثالث: حديث عقبة، احتج به غير واحد من المالكية على أن الرضاع لا توقيت فيه; لأنه لم يذكر فيه توقيتا.

التالي السابق


الخدمات العلمية