التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
232 234 - حدثنا آدم قال: حدثنا شعبة قال: أخبرنا أبو التياح يزيد بن حميد، عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل أن يبنى المسجد في مرابض الغنم. [428، 429، 1868، 2106، 2771، 2774، 2779، 3932 - مسلم: 524 - فتح: 1 \ 341]


وهذا الأثر أسنده ابن أبي شيبة في "مصنفه" فقال: حدثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن أبيه قال: كنا مع أبي موسى في دار البريد، فحضرت الصلاة فصلى بنا على روث (وتبن) فقلنا له: (ها هنا تصلي) والبرية إلى جنبك؟ فقال: البرية وهاهنا سواء.

وأسنده أبو نعيم في كتاب الصلاة عن الأعمش بلفظ: صلى بنا أبو موسى في دار البريد، وثم السرقين الدواب وتبن، والبرية على [ ص: 445 ] الباب فقالوا: لو صليت على الباب؟ فقال: هاهنا وثم سواء. وقال ابن حزم: روينا من طريق شعبة وسفيان كلاهما، عن الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن أبيه قال: صلى بنا أبو موسى على مكان فيه سرقين. وهذا لفظ سفيان، وقال شعبة: روث الدواب.

قال: ورويناه من طريق غيرهما: والصحراء أمامه. وقال: (هاهنا) وهناك سواء.

واعلم أن البخاري قاس بول غير المأكول على المأكول فيما ترجم له، واستشهد بفعل أبي موسى; ليدل على أرواث الإبل وأبوالها، وليس ذلك بلازم; لاحتماله بحائل وهو جائز إذ ذاك. نعم الأصل عدمه.

فائدة:

دار البريد: الموضع الذي ينزل فيه البريد، ومواضعها يكون فيه روث الدواب غالبا.

والسرقين - بكسر السين وفتحها- حكاهما ابن سيده: الزبل، وبالجيم أيضا فارسي، وكان الفارسي ينطق بها بين القاف والجيم، واقتصر القاضي وغيره على الكسر.

والبرية: الصحراء، والجمع البراري.

ثم ذكر البخاري في الباب حديثين:

أحدهما: حديث أنس فقال: حدثنا سليمان بن حرب، عن حماد بن [ ص: 446 ] زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس قال: قدم ناس من عكل أو عرينة، فاجتووا المدينة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا النعم، فجاء الخبر في أول النهار، فبعث في آثارهم، فلما ارتفع النهار جيء بهم، فأمر بقطع أيديهم وأرجلهم، وسمرت أعينهم، وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون. قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله.

والكلام عليه من وجوه:

أحدها:

أنه حديث صحيح متفق على صحته، أخرجه البخاري في عدة مواضع منها المغازي، والجهاد، والتفسير، والحدود، وذكر أنهم كانوا في الصفة، يعني: أولا. ولما خرجه في الزكاة من حديث قتادة، عن أنس، قال آخره: تابعه أبو قلابة وحميد وثابت، عن أنس. وحديث أبي قلابة علمته، وحديث حميد أخرجه مسلم، وثابت أخرجه أبو داود.

وأخرجه مسلم في الحدود، وأدخل بين أيوب وأبي قلابة أبا رجاء [ ص: 447 ] مولى أبي قلابة، وذكر الدارقطني أن رواية حماد إنما هي عن أيوب، عن أبي رجاء، عن أبي قلابة قال: وسقوط أبي رجاء وثبوته صواب، ويشبه أن يكون أيوب سمع من أبي قلابة، عن أنس قصة العرنيين مجردة، وسمع من أبي رجاء، عن أبي قلابة حديثه مع عمر بن عبد العزيز، وفي آخرها قصة العرنيين، فحفظ عنه حماد بن زيد القصتين، عن أبي رجاء، عن أبي قلابة، وحفظ الآخرون عنه، عن أبي قلابة، عن أنس قصة العرنيين حسب.

قال: ورواه صالح بن كيسان، عن أيوب، عن أبي قلابة مرسلا.

ثانيها:

هذه القصة كانت في شوال سنة ست، ورواها ابن جرير الطبري من حديث جرير، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم بعثه في أثرهم. وفيه نظر؛ لأن إسلامه كان في السنة العاشرة على المشهور، وعلى قول ابن قانع وغيره، أنه أسلم قديما يزول الإشكال.

ثالثها:

عكل - بضم العين المهملة وإسكان الكاف، ثم لام- قبيلة نسبت [ ص: 448 ] إلى عكل امرأة حضنت ولد عوف بن إياس بن قيس بن عوف بن عبد مناة بن أد بن طابخة فغلبت عليهم ونسبوا إليها، وزعم السمعاني أنهم بطن من تميم، ورده عليه ابن الأثير.

وعرينة - بضم العين المهملة وفتح الراء- بطن من بجيلة، وهو ابن بدير أو ابن عزيز بن نذير بن قسر بن عبقر بن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث بن طيء بن أدد، وأم عبقر بجيلة، قاله الرشاطي، ووقع في "شرح الداودي" أن قوله: "عكل أو عرينة" من شك الراوي، قال: وعكل هم عرينة. وهو عجيب.

فائدة:

عكل اشتقاق من عكلت الشيء؛ إذا جمعته، قاله ابن دريد، وقال غيره: هو من عكل يعكل؛ إذا قال برأيه، ورجل عكلي؛ أي: أحمق.

منهم جماعة من الصحابة: خزيمة بن عاصم بن قطن بن عبد الله بن عبادة بن سعد بن عوف، أهمله أبو عمر.

والعرن في اللغة: علة تصيب الفرس أو البعير في القوائم.

رابعها:

كان عدد العرنيين ثمانية. وقيل: كانوا سبعة، أربعة من عرينة وثلاثة من عكل، فقيل: العرنيون; لأن أكثرهم كان من عرينة، زعم الرشاطي أنهم من غير عرينة التي في قضاعة.

[ ص: 449 ] خامسها:

(اجتووا) - بجيم ثم بمثناة فوق- استوخموها، كما جاء مصرحا به في الرواية الأخرى.

وقال ابن قتيبة: اجتويت البلاد؛ إذا كرهتها، وإن كانت موافقة لك في بدنك، واستوبلتها؛ إذا لم توافقك في بدنك وإن أحببتها، والأول أشبه.

واللقاح: ذوات الألبان من الإبل، واحدها لقحة، بكسر اللام وفتحها، وأبوال الإبل التي ترعى الشيح والقيصوم، وألبانها تدخل في علاج نوع من أنواع الاستسقاء.

سادسها:

هذه اللقاح كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت في "الصحيح"، وثبت فيه أيضا أنها إبل الصدقة، ولعل اللقاح كانت له، والإبل للصدقة، وكانت ترعى معها فاستاقوا الجميع، وإنما أذن في شرب لبنها على هذه الرواية; لأنها كانت للمحتاجين، وقد ترجم عليه البخاري في كتاب الزكاة، استعمال إبل الصدقة وألبانها لأبناء السبيل.

قال ابن بطال: وغرضه بهذا التبويب إثبات دفع الصدقة في صنف واحد ممن ذكر في آيات الصدقة خلافا للشافعي، قال: والحجة به قاطعة; لأنه صلى الله عليه وسلم أفرد أبناء السبيل بالصدقة دون غيرهم.

[ ص: 450 ] قلت: للإمام ذلك وليس محل النزاع فاعلمه.

سابعها:

عدد هذه اللقاح خمس عشرة غرا، ذكره ابن سعد في "طبقاته" قال: وفقد منها واحدة. وكانت ترعى بذي الجدر: ناحية قباء قريبا من عير على ستة أميال من المدينة.

ثامنها:

اسم هذا الراعي يسار - بمثناة تحت في أوله- وهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان نوبيا فأعتقه.

تاسعها:

استاقوا: حملوا، وهو من السوق، وهو السير السريع العنيف.

والنعم - بفتح النون والعين المهملة، يذكر ويؤنث على الأصح; سميت بذلك لنعومة بطنها، وهي الإبل. قيل: والبقر. قيل: والغنم. وأما الأنعام فيطلق على الكل.

عاشرها:

بعث في آثارهم كرز بن جابر الفهري ومعه عشرون فارسا، قاله ابن سعد في "طبقاته". وفي "صحيح مسلم" وعنده شباب من الأنصار قريب من العشرين، فأرسل إليهم وبعث معهم قاصا يقص أثرهم.

وقال موسى بن عقبة: كان أمير السرية سعيد بن زيد، وقد أسلفنا أنه [ ص: 451 ] بعث جريرا أيضا واستشكلناه.

الحادي عشر:

سمرت -بالميم المخففة وقد تشدد- أي: كحلت محماة، وفي البخاري في موضع آخر: ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها، وفي معظم نسخ مسلم: فسمل، باللام وتخفيف الميم؛ أي: فقأها، وقيل: بحديدة محماة.

وقيل: إن اللام والراء بمعنى، وإنما سمل أعينهم; لأنهم سملوا أعين الرعاة كما ثبت في "صحيح مسلم".

الثاني عشر:

الحرة: أرض تركبها حجارة سود. قال عبد الملك: تبعد من مسجد رسول الله.

الثالث عشر: في أحكامه وفوائده مختصرة:

الأولى: قدوم القبائل والغرباء على الإمام.

الثانية: نظر الإمام في مصالحهم، وأمره لهم بما يناسب حالهم وإصلاح أبدانهم.

الثالثة: طهارة بول ما يؤكل لحمه، وهو مذهب مالك وأحمد وقول [ ص: 452 ] الإصطخري وابن خزيمة والروياني من الشافعية، وقيد ذلك المالكية بما إذا كانت لا تستعمل النجاسة، فإن كانت تستعملها، فإنه نجس على المشهور، وأجاب المخالفون وهم الحنفية، وجمهور الشافعية القائلون بنجاسة بوله وروثه: بأن شربهم الأبوال كان للتداوي، وهو جائز بكل النجاسات سوى الخمر والمسكرات.

واعترض عليهم: بأنها لو كانت نجسة محرمة الشرب ما جاز التداوي بها; لأن الله تعالى لم يجعل شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها، وقد يجاب عن ذلك: بأن الضرورة جوزته.

وفي المسألة قول ثالث: أن بول كل حيوان وإن كان لا يؤكل لحمه طاهر غير بول ابن آدم، وهو قول ابن علية وأهل الظاهر، وروي مثله عن الشعبي، ورواية عن الحسن.

وظاهر إيراد البخاري يوافقه حيث ذكر الدواب مع الإبل والغنم.

وأما حديث جابر والبراء مرفوعا: "ما أكل لحمه، فلا بأس ببوله"

[ ص: 453 ] فضعيفان كما بينه الدارقطني وغيره.

وأما الحديث في غزوة تبوك، فكان الرجل ينحر بعيره، فيعصر فرثه، فيشربه، ويجعل ما بقي على كبده، وإسناده على شرط الصحيح، كما قاله الضياء، قال ابن خزيمة: لو كان الفرث إذا عصره نجسا لم يجز للمرء أن يجعله على كبده.

قلت: قد يقال: إنه فعل للتداوي. وأما حديث ابن مسعود الآتي في باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته، لا حجة فيه كما قاله ابن حزم؛ لأنه بمكة قبل ورود الحكم بتحريم النجو [ ص: 454 ] والدم، قال: فسار منسوخا بلا شك.

وأما حديث ابن عمر: كانت الكلاب تقبل وتدبر (وتبول) في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك. فأجاب ابن حزم عنه: بأنه غير مسند; لأنه ليس فيه أنه صلى الله عليه وسلم عرف ببول الكلاب في المسجد وأقره، فسقط الاحتجاج به.

وأما حديث سويد بن طارق أنه سأل رسول الله [- صلى الله عليه وسلم - عن الخمر فنهاه، ثم سأله، فنهاه فقال: يا نبي الله إنها دواء؟ فقال: "لا، ولكنها داء".

وحديث أم سلمة مرفوعا: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم [ ص: 455 ] عليكم". قال ابن حزم: لا حجة فيه; لأن في الأول: سماك بن حرب، وهو يقبل التلقين، شهد عليه بذلك شعبة وغيره، ولو صح لم يكن فيه حجة; لأن فيه أن الخمر ليست بدواء، ولا خلاف بيننا في أن ما ليس دواء فلا يحل تناوله.

وفي الثاني: سلمان الشيباني، وهو مجهول، هذا لفظه، وليس كما ذكر فيهما.

أما الأول: فأخرجه مسلم في "صحيحه"، وكذا ابن حبان والحاكم.

والثاني: أخرجه ابن حبان في "صحيحه"، ودعواه أن المذكور في إسناده سلمان وهم، وإنما هو سليمان بزيادة ياء، وهو أحد الثقات، أكثر عنه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

الرابعة: ثبوت أحكام المحاربة في الصحراء؛ فإنه صلى الله عليه وسلم بعث في طلبهم لما بلغه فعلهم بالرعاء. واختلف العلماء في ثبوت أحكامها في الأمصار، فنفاه أبو حنيفة وأثبته مالك والشافعي.

الخامسة: شرعية المماثلة في القصاص، والنهي عن المثلة محمول على من وجب عليه القتل، لا على طريق المكافأة.

[ ص: 456 ] وقال محمد بن سيرين: إن ذلك قبل أن تنزل الحدود، ذكره البخاري في حديث أنس، أي: وقبل أن تنزل آية المحاربة، والنهي عن المثلة.

وفي البخاري أيضا عن قتادة أنه قال: بلغنا أنه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان يحث على الصدقة وينهى عن المثلة، لا جرم ادعى الشافعي نسخه، وكذا ابن شاهين والداودي، وتوقف فيه ابن الجوزي في "إعلامه" وقال: ادعاء النسخ يحتاج إلى التأريخ، والنهي عن المثلة كان في أحد سنة ثلاث.

السادسة: إن فعل الإمام بهم ذلك ليس من عدم الرحمة بل هو رحمة; لما فيه من كف اليد العادية عن الخلق.

السابعة: عقوبة المحاربين، وهو موافق لقوله تعالى: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله [المائدة: 33]، وهل (أو) فيها للتخيير أو للتنويع؟ قولان، وبالثاني قال الشافعي، ومحل الخوض في ذلك كتب الفروع.

الثامنة: جواز التطبب وأن يطب كل جسم بما اعتاد، وقد أدخله البخاري في الطب، وترجم عليه باب الدواء بألبان الإبل وأبوالها.

[ ص: 457 ] التاسعة: قتل المرتد من غير استتابة، وفي كونها واجبة أو مستحبة خلاف مشهور، ورأيت من يجيب عن الحديث بأن هؤلاء حاربوا، والمرتد إذا حارب لا يستتاب; لأنه يجب قتله، فلا معنى لها.

العاشرة: قتل الجماعة بالواحد سواء قتلوه غيلة أو حرابة، وبه قال الشافعي ومالك وجماعة، وخالف فيه أبو حنيفة، ولا بد من اعتراف القاتلين أو الشهادة عليهم.

الحادية عشرة: سماهم أبو قلابة سراقا; لأنهم أخذوا النعم من حرز مثلها، وهو وجود الراعي معها ويراها أجمع، وإنما هم محاربون.

وقيل: كان هذا حكم من حارب حتى أنزل الله فيهم آية المحاربة، وهو يلزم مالكا في مشهور قوله: إنه إذا قتل المحارب يتحتم قتله. ووقع له في "المختصر": إذا أخذهم وقد قتلوا ولم يدر من قتله فالإمام مخير إن شاء قتلهم أو صلبهم.

الثانية عشرة: قام الإجماع على أن من وجب عليه القتل فاستسقى الماء، أنه لا يمنع منه; لئلا يجتمع عليه عذابان، وإنما لم يسقوا هنا معاقبة لجفائهم وكفرهم سقيهم ألبان تلك الإبل، فعوقبوا بذلك فلم يسقوا; ولأنه صلى الله عليه وسلم دعا عليهم فقال: "عطش الله من عطش آل محمد الليلة" أخرجه النسائي، فأجيب دعاؤه، وأيضا هؤلاء ارتدوا [ ص: 458 ] فلا حرمة لهم.

ثم اعلم أن البخاري أيضا ذكر هذا الحديث في باب: إذا حرق المشرك هل يحرق؟ ووجهه أنه صلى الله عليه وسلم لما سمل أعينهم، وهو تحريق بالنار، استدل به البخاري من أنه لما جاز تحريق أعينهم بالنار - ولو كانوا لم يحرقوا أعين الرعاة- أنه أولى بالجواز بتحريق المشرك إذا أحرق المسلم.

قال ابن المنير: وكأن البخاري جمع بين حديث "لا تعذبوا بعذاب الله" وبين هذا بحمل الأول على غير سبب، والثاني على مقابلة السبب بمثلها من الجهة العامة، وإن لم يكن من نوعها الخاص، وإلا فما في هذا الحديث أن العرنيين فعلوا ذلك بالرعاة.

قلت: قد أسلفنا من عند مسلم أنهم فعلوا ذلك، وادعى المهلب أن البخاري لم يذكره؛ لأنه ليس من شرطه.

وفي الحديث أيضا طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يأمر به، فإنه من طاعة الله تعالى، فإنه لما بعث في آثارهم سارعوا إليه، وكذا القطع والسمر فطاعة الإمام العدل واجبة، ولا يحتاج إلى التوقف على الموجب لذلك. وسئل مالك عن القسامة في القتل فضعفها، وقال:لم يتقدم الفعل بها، ثم ذكر الحديث في الحرابة.

[ ص: 459 ] الحديث الثاني:

حدثنا آدم، ثنا شعبة، ثنا أبو التياح يزيد بن حميد، عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في مرابض الغنم. ثم سمعته بعد يقول: كان يصلي قبل أن يبنى المسجد في مرابض الغنم.

هذا الحديث أخرجه في باب الصلاة في مرابض الغنم أيضا، وأخرجه مسلم هناك.

ومرابض الغنم: مباركها ومواضع مبيتها، ووضعها أجسادها على الأرض للاستراحة. قال ابن دريد: ويقال ذلك أيضا لكل دابة من ذوات الحافر والسباع. وقال ابن سيده: هو كالبروك للإبل والأصل للغنم.

وقد يستدل به من يقول بطهارة بول المأكول وروثه، وقد ينازع فيه. نعم، فيه الصلاة في مرابض الغنم ولا كراهة فيها بخلاف أعطان الإبل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن لم تجدوا إلا مرابض الغنم وأعطان الإبل، فصلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل".

رواه الترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعا. وقال: حسن صحيح.

وقال البيهقي: وقفه أصح.

وللحاكم في: "تاريخ نيسابور" من حديث أبي حيان، عن أبي [ ص: 460 ] زرعة، عن أبي هريرة مرفوعا: "الغنم من دواب الجنة، فامسحوا رغامها، وصلوا في مرابضها"، وللبزار في "مسنده": "أحسنوا إليها وأميطوا عنها الأذى".

وفي حديث عبد الله بن المغفل: "صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل؛ فإنها خلقت من الشياطين" وفي لفظ: "فإنها جن خلقت من جن، ألا ترى أنها إذا نفرت كيف تشمخ [ ص: 461 ] بأنفها؟"، وقال في الغنم: "فإنها سكينة وبركة".

وروي الفرق بينهما من حديث جماعة من الصحابة أيضا، وفي "الصحيح" في حديث رافع بن خديج: "إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش".

قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه العلم على إباحة الصلاة في مرابض الغنم إلا الشافعي؛ فإنه قال: لا أكره الصلاة في مرابض الغنم إذا كان سليما من أبعارها وأبوالها، وممن روينا عنه إجازة ذلك، وفعله ابن عمر وجابر وأبو ذر و(ابن الزبير) والحسن [ ص: 462 ] وابن سيرين والنخعي وعطاء.

وقال ابن بطال: حديث الباب حجة على الشافعي; لأن الحديث ليس فيه تخصيص موضع من آخر، ومعلوم أن مرابضها لا تسلم من البعر والبول، فدل على الإباحة وعلى طهارة البول والبعر.

قلت: الشارع قد علل عدم الكراهة فيها بغير ذلك كما سلف؛ إذ أعطان الإبل غالبا لا تسلم من ذلك والكراهة باقية.

فرع:

قال ابن المنذر: تجوز الصلاة أيضا في مراح البقر; لعموم قوله: "أينما أدركتك الصلاة فصل" وهو قول عطاء ومالك.

قلت: قد ورد ذلك مصرحا به؛ ففي "مسند عبد الله بن وهب المصري" عن سعيد بن أبي أيوب، عن رجل حدثه، عن ابن المغفل: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلى في معاطن الإبل، وأمر أن يصلى في مراح البقر والغنم.

التالي السابق


الخدمات العلمية