التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2511 2654 - حدثنا مسدد، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا الجريري، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر". ثلاثا. قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين". وجلس وكان متكئا فقال: "ألا وقول الزور". قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. وقال إسماعيل بن إبراهيم: حدثنا الجريري، حدثنا عبد الرحمن. [5976، 6273، 6274، 6919 - مسلم: 87 - فتح: 5 \ 261]


ثم ساق بإسناده فقال:

حدثنا عبد الله بن منير، سمع وهب بن جرير، وعبد الملك بن إبراهيم قالا: ثنا شعبة، عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس، عن أنس: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر، قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور". تابعه غندر وأبو عامر، وبهز، وعبد الصمد، عن شعبة.

[ ص: 530 ] حدثنا مسدد، ثنا بشر بن المفضل، ثنا الجريري، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ". ثلاثا. قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين". وجلس وكان متكئا فقال: "ألا وقول الزور". قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. وقال إسماعيل بن إبراهيم: ثنا الجريري، ثنا عبد الرحمن.

الشرح:

فيه عظم شهادة الزور، وأنها من أكبر الكبائر، وعبارة ابن بطال في حديث أبي بكرة أنها أكبر الكبائر، وقد روي عن ابن مسعود أنه قال: عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله، وقرأ عبد الله: فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور [الحج: 30].

واختلف في شاهد الزور إذا تاب؛ فقال مالك: يقبل الله توبته وشهادته، كشارب الخمر.

وعن عبد الملك: لا يقبل كالزنديق.

وقال أشهب: إن أقر بذلك لم تقبل توبته أبدا.

وعند أبي حنيفة: إذا ظهرت توبته يجب قبول شهادته إذا أتى على ذلك مدة يظهر في مثلها توبته.

وهو قول الشافعي وأبي ثور، وعن مالك أيضا: كيف يؤمن هذا، لا والله.

[ ص: 531 ] قال ابن المنذر: وقول أبي حنيفة ومن تبعه أصح.

وقال ابن القاسم: بلغني عن مالك أنه لا تقبل شهادته أبدا، وإن تاب وحسنت توبته; اتباعا لعمر.

واختلف هل يؤدب إذا أقر، فعن عمر بن الخطاب بسند ضعيف، أخرجه ابن أبي شيبة أنه أقام شاهد الزور عشية في إزار ينكت نفسه.

وفي لفظ بإسناد جيد: ألا يؤسرن أحد في الإسلام بشهود الزور; فإنا لا نقبل إلا بالعدول.

وعن شريح أنه كان يبعث بشاهد الزور إلى قومه أو إلى سوقه إن كان مولى: إنا قد زيفنا شهادة هذا، ويكتب اسمه عنده، ويضربه خفقات، وينزع عمامته عن رأسه.

وعن الجعد بن ذكوان، أن شريحا ضرب شاهد الزور عشرين سوطا، ذكره التاريخي، وعن عمر بن عبد العزيز أنه اتهم قوما على هلال رمضان فضربهم سبعين سوطا وأبطل شهادتهم. وعن الزهري: شاهد الزور يعزر.

وقال الحسن: يضرب شيئا ويقال للناس: إن هذا شاهد زور.

وقال الشعبي: يضرب ما دون الأربعين: خمسة وثلاثين، سبعة وثلاثين سوطا.

[ ص: 532 ] وفي ابن بطال عنه: يشهر ولا يعزر.

قال: وهو قول أبي حنيفة.

وفي كتاب "القضاء" لأبي عبيد القاسم بن سلام، عن معمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد شهادة رجل في كذبة كذبها.

وأسنده أبو سعيد النقاش محمد بن علي في كتاب "الشهود" عن عبد الرحمن بن محمد السجزي: ثنا علي بن محمد الجوهري، ثنا أحمد بن سعيد الهاشمي، ثنا عمرو بن زياد، ثنا نوح بن أبي مريم، عن إبراهيم الصائغ، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكره بلفظ: كذبة واحدة كذبها.

ومن حديث معمر، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، وفي "الإشراف" كان سوار يأمر به يلبب بثوبه ويقول لبعض أعوانه: اذهبوا به إلى مسجد الجامع فدوروا به على الخلق، وهو ينادي: من رآني فلا يشهد بزور. وكان النعمان يرى أن يبعث به إلى سوقه إن كان سوقيا، أو إلى مسجد قومه. ويقول: القاضي يقرئكم السلام، ويقول: إنا وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه وحذروه الناس، ولا يرى عليه تعزيرا.

وعن مالك: أرى أن يفضح ويعلن به ويوقف، وأرى أن يضرب ويشار به.

[ ص: 533 ] وقال أحمد وإسحاق: يقام للناس ويغل ويؤدب.

وقال أبو ثور: يعاقب.

وقال الشافعي: يعزر ولا يبلغ بالتعزير أربعين سوطا، ويشهر بأمره.

وعن عمر بن الخطاب أنه حبسه يوما وخلى عنه.

وذكر عبد الرزاق عن مكحول، عن الوليد بن أبي مالك أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله بالشام فيه أن يجلد أربعين ويسخم وجهه، ويحلق رأسه، ويطال حبسه. ورواية أخرى عنه أنه أمر أن يسخم وجهه، وتلقى عمامته في عنقه، ويطاف عليه في القبائل ويقال: شاهد زور ولا تقبل شهادته أبدا.

وروى ابن وهب عن مالك أنه يجلد ويطاف ويشنع به، وقال ابن أبي ليلى: يعزره.

وفي رواية عنه: يضرب خمسة وسبعين سوطا ولا يبعث به.

وعن الأوزاعي: إذا كانا اثنين وشهدا على طلاق ففرق بينهما ثم أكذبا أنفسهما أنهما يضربان مائة مائة، ويغرمان للزوج الصداق. وعن القاسم وسالم: شاهد الزور يحبس ويخفق سبع خفقات بعد العصر وينادى عليه.

[ ص: 534 ] وعن عبد الملك بن يعلى قاضي البصرة أنه أمر بحلق أنصاف رءوسهم، وتسخيم وجوههم، ويطاف بهم في الأسواق.

ونقل ابن بطال التعزير عن أبي يوسف ومحمد، وقال الطحاوي: شهادة الزور فسق، ومن فسق رجلا عذر، فوجود الفسق منه أولى أن يستحق به التعزير، ولا يختلف أن من فسق بغير شهادة الزور أن توبته مقبولة، وشهادته بعدها كذلك شاهد زور.

التالي السابق


الخدمات العلمية