التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2538 [ ص: 663 ] 2684 - حدثنا محمد بن عبد الرحيم، أخبرنا سعيد بن سليمان، حدثنا مروان بن شجاع، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير قال: سألني يهودي من أهل الحيرة: أي الأجلين قضى موسى؟ قلت: لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله، فقدمت فسألت ابن عباس، فقال: قضى أكثرهما وأطيبهما، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال فعل. [فتح: 5 \ 289]


وهذا يأتي في الخمس، في فضل الأنصار، مسندا من حديث علي بن حسين عنه.

ثم ذكر أحاديث سلفت: حديث هرقل والوفاء بالعهد.

وحديث أبي هريرة: "آية المنافق: وإذا وعد أخلف".

وحديث جابر في وفاء الصديق عدة رسول الله صلى الله عليه وسلم من مال البحرين.

ثم ذكر فيه حديث سعيد بن جبير قال: سألني يهودي من أهل الحيرة: أي الأجلين قضى موسى؟ قلت: لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله، فقدمت فسألت ابن عباس، فقال: قضى أكثرهما وأطيبهما، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال فعل.

وقد أسلفنا الكلام في العدة في أثناء الهبة في باب: إذا وهب هبة أو وعد ثم مات قبل أن تصل إليه. قال المهلب وغيره: إنجاز الوعد مندوب إليه، مأمور به، وليس بواجب فرضا، والدليل على ذلك اتفاق الجميع على أن من وعد بشيء لم يضارب به مع الغرماء، ولا خلاف أن ذلك مستحسن، وقد أثنى الله تعالى على من صدق وعده، ووفى بنذره، وذلك من مكارم الأخلاق، ولما كان الشارع أولى الناس بها وأبدرهم إليها، أدى ذلك عنه خليفته الصديق وقام فيه مقامه، ولم يسأل جابرا البينة على ما ادعاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم من العدة; لأنه [ ص: 664 ] لم يكن شيئا ادعاه جابر في ذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما ادعى شيئا في بيت المال والفيء، وذلك موكول إلى اجتهاد الإمام.

وفيه: جواز هبة المجهول، وهو مشهور مذهب مالك.

وابن أشوع (خ. م. ت) هو سعيد بن عمرو بن أشوع -كما قدمناه- الهمداني الكوفي قاضيها، مات في ولاية خالد بن عبد الله القسري على العراق، وكانت ولايته سنة خمس ومائة إلى أن عزل عنها في سنة عشرين ومائة.

والحيرة في حديث سعيد بن جبير، بكسر الحاء وسكون الياء.

وحبر العرب هنا، يريد به ابن عباس، وهو بالفتح، وهو ما اقتصر عليه ثعلب. وقيل: بالكسر، وأنكره أبو الهيثم. وقال القتبي: لست أدري لم اختار أبو عبيد الكسر؟ قال: والقائل على أنه بالفتح قولهم: كعب الأحبار؛ أي: عالم العلماء. واحتج بعضهم للكسر بأن جمعه أحبار على وزن أفعال، إلا في أحرف معدودة ليس هذا منها، مثل نصر وأنصار وفرخ وأفراخ.

قال صاحب "العين": وهو العالم من علماء الديانة، مسلما كان أو ذميا، بعد أن يكون كتابيا. والجمع: أحبار.

وذكر المطرز عن ثعلب أنه يقال للعالم بالوجهين، وقال المبرد في "اشتقاقه" عن (التوزي الفراء): لم سمي المداد حبرا؟ قال: يقال [ ص: 665 ] للعالم: حبر، بالفتح والكسر، وإنما أرادوا مداد حبر، فحذفوا مدادا وجعلوا مكانه حبرا، مثل: واسأل القرية ووهاه الأصمعي، وإنما هو لتأثيره، وبه صرح في "الواعي".

قال المبرد: وأنا أحسب أنه سمي; لأنه يحبر به الكتب؛ أي: يحسن.

واختلف فيمن سمى ابن عباس حبرا؛ فذكر أبو نعيم الحافظ أنه انتهى يوما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده جبريل فقال: "إنه كائن حبر هذه الأمة، فاستوص به خيرا". وقال ابن دريد في "منثوره": إن عبد الله بن سعد بن أبي سرح لما أرسل ابن عباس رسولا إلى جرجير ملك المغرب فتكلم معه فقال جرجير: ما ينبغي إلا أن تكون حبر العرب، فسمي عبد الله من يومئذ الحبر.

وقوله: (قضى أكثرهما وأطيبهما)؛ قال ابن التين: هذا لا يكون إلا بوحي، وقد روي أنه - عليه السلام- سأل جبريل فأعلمه أنه قضى أتمهما.

فائدة: أسلفناها في أول الكتاب في الإيمان، ونعيدها هنا لبعده.

المنافق هو الذي يضمر خلاف ما يعلن، ويظهر الإيمان ويضمر الكفر، مأخوذ من النافقاء، إحدى جحري اليربوع، قيل: لها بابان، يسمى أحدهما القاصعاء، والآخر النافقاء، فإذا أخذ عليه أحدهما خرج من الآخر، فإذا أخذ عليه الكفر خرج إلى الإيمان منه، وقيل: إنه يخرق في الأرض; حتى إذا كان يبلغ ظاهرها نفق التراب، فإذا رابه ريب دفع ذلك التراب برأسه، فخرج ظاهر جحره تراب كالأرض وباطنه حفر.

[ ص: 666 ] وقيل: سمي بذلك; لأنه يستر كفره، فشبه بمن يدخل النفق وهو السرب يسير فيه، ذكر هذه الأقوال الثلاثة ابن الأنباري.

وقوله: "إذا وعد أخلف"؛ يقال: وعد وعدا وأخلف وعدنا خلافا إذا لم يف.

التالي السابق


الخدمات العلمية