التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2555 2702 - حدثنا مسدد ، حدثنا بشر ، حدثنا يحيى ، عن بشير بن يسار ، عن سهل بن أبي حثمة قال انطلق عبد الله بن سهل ، ومحيصة بن مسعود بن زيد إلى خيبر ، وهي يومئذ صلح . [3173 ، 6142 ، 6143 ، 6898 ، 7192 - مسلم: 1669 - فتح: 5 \ 305]


وقال موسى بن مسعود : حدثنا سفيان بن سعيد ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : صالح النبي - صلى الله عليه وسلم - المشركين يوم الحديبية على ثلاثة أشياء . . وساق الحديث .

[ ص: 67 ] ثم ذكر حديث ابن عمر أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج معتمرا ، فحال كفار قريش بينه وبين البيت ، فنحر هديه . . الحديث .

وحديث سهل بن أبي حثمة : انطلق عبد الله بن سهل ، ومحيصة بن مسعود بن زيد إلى خيبر ، وهي يومئذ صلح .

الشرح : (الهدنة ) : السكون ورفع الحرب .

و (بنو الأصفر ) : الروم ، وأصل الأصفر في كلام العرب : الأسود .

قيل للروم : بنو الأصفر ; لأن جيشا غلب على ناحيتهم في بعض الدهور فوطئوا نساءهم فولدن أولادا فيهم بياض الروم وسواد الحبشة ، فنسب الروم إلى الأصفر لذلك .

وقيل : بنو الأصفر اسم مخصوص به الملوك خاصة ، بدليل قول علي بن زيد :


أين كسرى كسر الملوك أنوشر وان أم أين بعده سابور     أم بنو الأصفر الكرام ملوك الرو
م لم يبق منهم مذكور



وقيل : إن الهدنة لا تكون إلا بصلح بعد قتال .

وقوله : (صالح النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية على ثلاثة أشياء ) قال الداودي : إنما ذكر بعض ما كان ليبين على أنه لم يكن من الشروط غيرها .

وقوله : (فجاء أبو جندل ) هو العاصي بن سهيل ، قتل مع أبيه بالشام .

قال ابن عبد البر : غلطت طائفة ممن ألفت في الصحابة فزعمت أن اسمه عبد الله ، وأنه الذي أتى مع أبيه سهيل إلى بدر فانحاز من المشركين إلى المسلمين ، وشهد بدرا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو غلط فاحش ; لأن عبد الله ليس بأبي جندل وإنما هو أخوه ، وعبد الله استشهد باليمامة مع

[ ص: 68 ] خالد ، وأبو جندل لم يشهد بدرا ولا شيئا من المشاهد قبل الفتح ; لأن أباه كان قد منعه من ذلك .

وقوله : (يحجل في قيوده ) أي : يرسف مشية المقيد ، والأصل في ذلك أن يرفع رجلا ويقوم على أخرى ، وذلك أن المقيد لا يمكنه أن ينقل رجليه معا ، وقيل : هو أن يقارب خطوه وهو مشية المقيد ، وقيل : فلان يحجل في مشيه ، أي : يتبختر ، وروي : يجلجل في قيوده .

وقوله : (فرده إليهم ) يريد رده إلى أبيه سهيل بن عمرو ، ورد غيره للشرط الذي كان بينهم .

وفيه : جواز بعض المسامحة في أمور الدين ، واحتمال اليسير من الضيم ما لم يكن ذلك مضرا بأصوله ، إذا رجي من ذلك نفع ، وعلى هذا محوه موضع ذكر النبوة عن اسمه ، واقتصاره على اسمه واسم أبيه ، إذ ليس في نسبته إلى أبيه نفي نسبه عن النبوة ، وكذلك إجابته إياهم إلى ترك التسمية حسبما يأتي ، وذلك أن الله تعالى أباح التقية للمسلم إذا خاف هلاكا ، فرخص له أن يتكلم بالكفر مع إضماره الإيمان بقوله : إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان [النحل : 106] .

فظهر أن الصلح المذكور جائز عند الضرورة عند عدم الطاقة على العدو ، فأما إذا قدروا عليهم فلا يجوز مصالحتهم لقوله تعالى : فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم الآية [محمد : 35] وإنما قاضاهم هذه القضية ، وإن كان ظاهرها الوهن على المسلمين كما أسلفنا من نزول ناقته ، وكانت إذا حولت عن مكة قامت ومشت ، وإذا صرفت إلى مكة بركت ، وكذلك كانت حالة الفيل ففهمها - عليه السلام - من ربه ، ولم يتعرض

[ ص: 69 ] لدخولها ، وقبل مصالحتهم ، وحبس جيشه عن انتهاك حرمة الحرم وأهله ، ولما كان قد سبق في علمه من دخول أهل مكة في الإسلام فقال : "لا يسألوني اليوم خطة " إلى آخره ، فكان مما سألوه أن يعظم به أهل الحرم ، أن يرد إليهم من خرج عنهم وعن حرمهم مسلما أو غيره ، وأن لا يردوا ولا يخرجوا من الحرم من فر إليهم من المسلمين ، وكان هذا من إجلال حرمة الحرم .

فلهذا عاقدهم على ذلك مع بعض ما وعده الله أنه سيفتح عليه ويدخلها ، حتى قال له عمر ما قال ، ورد عليه الصديق .

فدل هذا على أن المدة التي قاضى عليها أهل مكة فيها إنما كانت من الله مبالغة في الإعذار إليهم مع ما سبق من علمه من دخولهم في الإسلام ، وقد أسلفنا اختلاف العلماء في المدة التي هادن فيها على أقوال .

وقال الشافعي : لا يجوز مهادنة أكثر من عشر اقتداء به في الحديبية ، فإن هودن المشركون أكثر من ذلك فهي منتقضة ; لأن الأصل فرض قتال المشركين حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية .

وقال ابن حبيب عن مالك : يجوز السنة والسنتين والثلاث ، وإلى غير مدة وإجازته ذلك إلى غير مدة يدل على أنه يجوز مدة طويلة ، فإن ذلك اجتهاد الإمام بخلاف قول الشافعي .

التالي السابق


الخدمات العلمية