التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2557 [ ص: 75 ] 9 - باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للحسن بن علي : "إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين" . وقوله جل ذكره : فأصلحوا بينهما [الحجرات :9]

2704 - حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا سفيان ، عن أبي موسى قال : سمعت الحسن يقول : استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال ، فقال عمرو بن العاص : إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها . فقال له معاوية -وكان والله خير الرجلين- : أي عمرو ، إن قتل هؤلاء هؤلاء ، وهؤلاء هؤلاء ، من لي بأمور الناس ؟ من لي بنسائهم ؟ من لي بضيعتهم ؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس : عبد الرحمن بن سمرة ، وعبد الله بن عامر بن كريز ، فقال : اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه ، وقولا له ، واطلبا إليه . فأتياه ، فدخلا عليه فتكلما ، وقالا له ، فطلبا إليه ، فقال لهما الحسن بن علي : إنا بنو عبد المطلب ، قد أصبنا من هذا المال ، وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها . قالا فإنه يعرض عليك كذا وكذا ، ويطلب إليك ويسألك . قال : فمن لي بهذا ؟ قالا : نحن لك به . فما سألهما شيئا إلا قالا : نحن لك به . فصالحه . فقال الحسن : ولقد سمعت أبا بكرة يقول : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر ، والحسن بن علي إلى جنبه ، وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول : " إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" . قال لي علي بن عبد الله : إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث . [3629 ، 3746 ، 7109 - فتح: 5 \ 306]


ثم ساق من حديث سفيان ، عن أبي موسى قال : سمعت الحسن يقول فذكره بطوله . وفي آخره "من المسلمين" .

قال البخاري : قال لي علي بن عبد الله المديني : إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث .

[ ص: 76 ] وقال البزار : حديث إسرائيل عن أبي موسى لا نعلمه رواه عنه إلا ابن عيينة . قلت : ذكره البخاري في علامات النبوة عن عبد الله بن محمد ، ثنا يحيى بن آدم ، ثنا حسين الجعفي عن أبي موسى ، عن الحسن ، عن أبي بكرة . . الحديث .

قال البزار أيضا : والحديث روي عن جابر وأبي بكرة ، وحديث أبي بكرة أشهر وأحسن إسنادا ، وحديث جابر أغرب .

قلت : وذكره ابن بطال من حديث المغيرة بن شعبة كما سيأتي ، وزعم الدارقطني أن الحسن رواه أيضا عن أم سلمة ، قال : وهذه الرواية وهم ، ورواه داود بن رشيد ، وعوف الأعرابي عن الحسن مرسلا .

قال : ورواه أحمد بن عبد الله النهرواني ، عن ابن عيينة ، عن أيوب ، عن الحسن ، ووهم فيه .

ومن أوهام الداودي قوله : الحسن مع قربه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو ابن سبع سنين ، لا يشك في سماعه منه ، وأنه تعدله الصحبة ، وهو

[ ص: 77 ] عجيب . فالحسن هذا الذي أراده البخاري هو ابن أبي الحسن البصري في سماعه من أبي بكرة ، فإنه رواه عنه .

وأبو موسى الراوي عن الحسن هو إسرائيل (خ . ت . د . س ) بن موسى البصري ، نزل الهند ، عنه ابن عيينة ، وحسين الجعفي ، قاله مسلم في كناه ، وانفرد به البخاري . قال أحمد : هو مقارب الحديث .

إذا تقرر ذلك فالفئة : الفرقة ، مأخوذ من فأوت رأسه ، وفأيته .

والكتيبة : ما جمع بعضها إلى بعض ، ومنه قيل للقطعة المجتمعة من الجيش : كتيبة . وقال الداودي : سميت بذلك ; لأنه يكتب اسم كل طائفة في كتاب فلزمها هذا الاسم .

وقوله : (أمثال الجبال ) أي : لا يرى لها طرف لكثرتها ، كما لا يرى من قابل الجبل طرفيه . والحسن لما مات علي بايع له أهل العراق وكانوا له أمثال أهل الشام لمعاوية .

وذكر أهل الأخبار فيما حكاه ابن بطال أن عليا لما مات بايع أهل الكوفة ابنه الحسن ، وبايع أهل الشام معاوية ، فسار معاوية بأهل الشام يريد الكوفة ، وسار الحسن بأهل العراق فالتقيا بمنزل من أرض الكوفة ، فنظر الحسن إلى كثرة من معه من جيوش العراق فنادى : يا معاوية ، إني اخترت ما عند الله ، فإن يكن هذا الأمر لك فما ينبغي لي أن أنازعك عليه ، وإن يكن لي فقد خلعته لك . فكبر أصحاب معاوية . وقال المغيرة بن شعبة عند ذلك أشهد أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول للحسن : "إن ابني هذا سيد سيصلح الله به بين فئتين من المسلمين" ، فجزاك الله عن المسلمين خيرا . وقال الحسن : اتق الله يا معاوية على أمة محمد لا تفنيهم بالسيف على طلب الدنيا ، وغرور فانية زائلة ،

[ ص: 78 ] فسلم الحسن الأمر إلى معاوية وصالحه ، وبايعه على السمع والطاعة على إقامة كتاب الله وسنة نبيه ، ثم دخلا الكوفة فأخذ معاوية البيعة لنفسه على أهل العراقين ، فكانت تلك السنة سنة الجماعة ، لاجتماع الناس واتفاقهم ، وانقطاع الحرب ، وبايع معاوية كل من كان معتزلا عنه ، وبايعه سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة ، وتباشر الناس بذلك ، وأجاز معاوية الحسن بثلاثمائة ألف وألف ثوب وثلاثين عبدا ، ومائة جمل ، وانصرف الحسن إلى المدينة . وولى معاوية الكوفة المغيرة بن شعبة ، وولى البصرة عبد الله بن عامر ، وانصرف إلى دمشق واتخذها دار مملكته .

وقول عمرو بن العاصي : (إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها ) أي : إن قوتلت بغير حيلة غلبت لكثرتها .

وقوله : (فقال له معاوية ، وهو خير الرجلين : أي عمرو ) إلى آخره .

يقول : لما أشار إليه عمرو فهمها وسارع إليها ، وعرف ما فيها من الصلاح فراسل الحسن ، ومراده أن معاوية كان خيرا من عمرو بن العاصي .

وقوله : (إن قتل هؤلاء هؤلاء ) يدل على نظر معاوية في العواقب ورغبته في صرف الحرب .

وقوله : (اذهبا إلى هذا الرجل واطلبا إليه واعرضا عليه ) يدل على أن معاوية كان الراغب في الصلح ، وأنه عرض المال على الحسن وبذله ورغبه ; حقنا للدماء وحرصا على رفع سيف الفتنة وعرفه ما وعده به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سيادته والإصلاح به .

[ ص: 79 ] فقال له الحسن : إنا بنو عبد المطلب المجبولون على الكرم والتوسع لمن حوالينا من الأهل والموالي ، وقد أصبنا من هذا المال بالخلافة ما صارت لنا به عادة إنفاق وإفضال على الأهل والحاشية ، فإن تخلفت من هذا الأمر قطعنا العادة ، وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها . يقول : قتل بعضها بعضا فلا يكفون إلا بالمال . فأراد أن يسكن أمر الفتنة ويفرق المال فيما لا يرضيه غير المال ، فقالا : يفرض له من المال في كل عام كذا ، ومن الأقوات والثياب ما يحتاج إليه لكل ما ذكرت ، فصالحه على ذلك . وبنو عبد شمس منهم بنو أمية .

وفيه : أن الرسل لا تهاج ويسمع قولها .

وقول الحسن : (أصبنا من هذا المال ) أي : حكمنا فيه حياة علي وبعده بما رأيناه صلاحا ، وخشي أن يتثاقل عليه فيضمن ، فضمن له الرجلان ذلك ، وأنه لا يطالب فقبل منهما لعلمه أن معاوية لا يخالفهما ، واشترط شروطا وسلم الأمر إلى معاوية .

وفيه : ولاية المفضول على الفاضل ; لأن الحسن ومعاوية وليا وسعد وسعيد حيان ، وهما بدريان .

وفيه : أن التصالح على الخلافة والعهد بها على أخذ مال جائز ، وكذلك هو جائز إذا كان كل واحد منهما له سبب في الخلافة يستند إليه ، وعقد من الإمارة يعود عليه . ذكره ابن بطال .

وفيه : أن قتال المسلم للمسلم لا يخرجه عن الإسلام إذا كان على تأويل .

[ ص: 80 ] وقوله : ("إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار" ) المراد : إن أنفذ الله عليهما الوعيد .

و (السيد ) : الرئيس . قال كراع : وجمعه سادة . وعندي أن سادة جمع سائد وهو من السؤدد وهو الشرف . قال ابن سيده : وقد يهمز وبضم الدال ، طائية ، وقد سادهم سودا وسؤددا وسيادة وسيدودة ، واستادهم كسادهم وسوده هو .

وذكر الزبيدي في "طبقات النحاة" : أن محمدا الأعرابي العذري قال لإبراهيم بن الحجاج الثائر بإشبيلية : تالله أيها الأمير ما سيدتك العرب إلا بحقك . يقولها بالياء ، فلما أنكر عليه قال : السواد : السخام . وأصر على أن الصواب معه ، ومالأه على ذلك الأمير لعظم منزلته في العلم . وقيل : اشتقاق السيد من السواد أي : الذي يلي السواد العظيم من الناس .

قال المهلب : والحديث قال على أن السيادة إنما يستحقها من ينتفع به الناس ; لأنه - عليه السلام - علق السيادة بالإصلاح بين الناس ونفعهم ، هذا معنى السيادة .

وقوله : ("ابني هذا سيد" ) هو من قوله تعالى : وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم [النساء : 23] ، وقوله : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء [النساء : 22] .

اتفق الجميع على أن امرأة الجد أبي الأم محرمة على ابن البنت ، وأن امرأة ابن البنت محرمة على جده .

التالي السابق


الخدمات العلمية