التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2559 2706 - حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن جعفر بن ربيعة ، عن الأعرج قال : حدثني عبد الله بن كعب بن مالك ، عن كعب بن مالك أنه كان له على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي مال ، فلقيه فلزمه حتى ارتفعت أصواتهما ، فمر بهما النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " يا كعب" . فأشار بيده كأنه يقول النصف ، فأخذ نصف ما له عليه وترك نصفا . [انظر : 457 - مسلم: 1558 - فتح: 5 \ 307]


حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، حدثني أخي ، عن سليمان ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن أن أمه عمرة بنت عبد الرحمن قالت : سمعت عائشة تقول : سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوت خصوم بالباب ، عالية أصواتها ، وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء وهو يقول : والله لا أفعل . فخرج عليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : "أين المتألي على الله ، لا يفعل المعروف ؟ " قال : أنا يا رسول الله ، فله أي ذلك أحب .

ثم ساق حديث كعب بن مالك مع ابن أبي حدرد . وقد سلفا .

[ ص: 82 ] والثاني سلف في المساجد ، ويأتي أيضا قريبا ، والأول أحد الأحاديث المقطوعة في مسلم ; لأنه لم يذكر فيه من حدثه به ، إنما قال : أخبرنا غير واحد من أصحابنا قالوا : حدثنا إسماعيل .

وزعم عياض : أن قول الراوي : حدثنا غير واحد ، أو حدثنا الثقة ، أو بعض أصحابنا . ليس من المقطوع ، ولا من المرسل ، ولا من المعضل عند أهل هذا الفن ، بل هو من باب الرواية عن المجهول .

قال : ولعل مسلما أراد به غير واحد البخاري وغيره . وقد روى مسلم أيضا عن أحمد بن يوسف الأزدي ، عن إسماعيل بن أبي أويس في كتاب اللعان والفضائل .

قلت : أبو داود ذكر هذا النوع في كتاب "المراسيل " وعده مرسلا ، وعند ابن عبد البر والخطيب وغيرهما : هو منقطع .

وليس فيه ما بوب له من الصلح ، وإنما هو حض على ترك بعض الحق ، وكذا حديث كعب أيضا . كذا قال الداودي وليس كذلك ، بل فيه إشارة الإمام بالصلح كما بوب له ، وسلف أنه في المسجد .

وفيهما : الحض على الرفق بالغريم ، والإحسان إليه ، والوضع عنه .

[ ص: 83 ] وفي حديث عائشة : النهي عن التألي على الله ; لأن فيه معنى الاستبداد بنفسه ، والقدرة على إرادته ، فكأنه لما حتم بألا يفعل ، شابه ما يدعيه القدرية من إثبات القدرة لأنفسها ، فوبخه الشارع بقوله ، ففهم ذلك ، ورجع عن تأليه ويمينه ، وقال : (له أي ذلك أحب ) من الوضع عنه ، أو الرفق به متبرئا من الفعل إلى الله تعالى ، ورد الحول والقوة إليه تعالى ، ويمينه إن كانت بعد نزول الكفارة ففيها الكفارة .

وفي حديث كعب أصل قول الناس في حضهم على الصلح : خير الصلح الشطر ; لأنه - عليه السلام - أمره بوضع النصف عن غريمه ، فوضعه عنه .

ومعنى (يستوضع الآخر ، ويسترفقه ) أي : يطلب منه الوضيعة والرفق .

والمتألي : الحالف ، مأخوذ من الألية : وهي اليمين ، ومنه يؤلون من نسائهم . قال الداودي : يريد أن من حلف بما قد عسى أنه سبق في علم الله أنه سيكون ، والظاهر أنه لم يكره يمينه لهذا ، وإنما كرهها ; لأنه قطع نفسه عن فعل الخير باليمين ، ولو حلف ليفعل خيرا لم يوجد عليه بما يتوقع من أن السابق في علم الله خلافه ، فانظر هذا من سكوته عن يمين الأعرابي سأل عن الإسلام ، فحلف : لا يزيد ولا ينقص .

فقال - عليه السلام - : "أفلح إن صدق" ، ولم ينكر عليه يمينه لا أزيد يحتمل أن يفرق بينهما بأنه من يدخل الإسلام ، ويريد أن الدخول فيه سهل لا مشقة فيه .

وقوله : (له أي ذلك أحب ) فيه : إجابة الصحابة له سريعا ، وفيه : هبة

[ ص: 84 ] المجهول ، وفيه : الحط عن الغريم إذا سأل ، وحضه على ذلك ، وفيه : أن ما يجري بين المتخاصمين من كلام في طلب الحق يتجاوز عنه وإن علت به أصواتهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية