التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2560 [ ص: 85 ] 11 - باب: فضل الإصلاح بين الناس والعدل بينهم

2707 - حدثنا إسحاق ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كل سلامى من الناس عليه صدقة ، كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الناس صدقة" . [2891 ، 2989 - مسلم: 1009 - فتح: 5 \ 309]


ذكر فيه حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل سلامى من الناس عليه صدقة ، كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الناس صدقة " .

وشيخه فيه إسحاق ، وهو ابن إبراهيم ، كما ذكره أبو نعيم في "مستخرجه" وزعم أن محمدا روى عنه ، ووقع في "مختصر البخاري " للمهلب بن أبي صفرة : إسحاق بن منصور .

ثم اعلم أنه ليس في الحديث إلا العدل فقط ، ولكن لما خاطب الشارع الناس كلهم بالعدل بين الناس ، وقد علم أن في الناس الحكام وغيرهم ، فكان عدل الحاكم إذا حكم كعدل غيره إذا أصلح . نبه عليه ابن المنير .

ولمسلم عن أبي ذر مرفوعا : "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة ، فكل تسبيحة صدقة " . . . إلى أن قال : "ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى" .

والسلامى : بضم السين : المفاصل ، وهي ثلاثمائة وستون مفصلا ،

[ ص: 86 ] كما أخرجه مسلم .

قال الداودي : وأكثر ما يستعملها العرب في العظام الصغار مثل : الأنامل من اليدين والرجلين ، وما يليها من عظام الكف والقدم ، وهي آخر ما يبقى فيها المخ عند الهزال وعبارة ابن الأعرابي : هي عظام الأصابع اليد والقدم . وسلامى البعير : عظام فرسنه ، وهي عظام صغار طول الأصبع أو قريب منها ، في كل يد ورجل أربع سلاميات أو ثلاث .

وفي "الجامع" : هي عظام الأصابع والأشاجع والأكارع كأنها كعاب ، والجمع السلاميات .

يقال : آخر ما يبقى المخ في السلامى والعين . وقيل : السلاميات فصوص على القدمين ، وهي من الإبل في داخل الأخفاف ، ومن الخيل في الحوافر . وقال الجوهري : واحده وجمعه سواء ، وربما شدده أحداث طلبة الحديث لقلة علمهم ، كما نبه عليه ابن الجوزي .

وقال المهلب : قوله : ("كل سلامى" ) يعني كل مفصل وعظم وإن صغر . والسلاميات : عظام مفاصل الكف ، يعني لكل واحد منهما صدقة لله من فعل الطاعات والخير كل يوم ، إذ كل موضع شعرة فما فوقها من جسد الإنسان عليه فيه نعمة لله يلزمه شكره ، والاعتراف بها حين خلقه صحيحا يتصرف في منافعه (وأداته ) ، ولم يجعل في ذلك الموضع داء يمنعه ألمه من استعماله والانتفاع به .

[ ص: 87 ] ومعنى الحديث : أن عظام الإنسان هي من أصل وجوده وبها حصول منافعه ، إذ لا تتأتى الحركة والسكون إلا بها ، فهي من أعظم نعم الله -عز وجل- على الإنسان ، وحق المنعم عليه أن يقابل كل نعمة منها بشكر يخصها فيعطي صدقته ، كما أعطي منفعته ، لكن الله لطف وخفف بأن جعل العدل بين الناس وشبهه صدقة .

وظاهر الحديث الوجوب ، لكن الله خفف حيث جعل ما خفي من المندوبات مسقطا له .

وفيه : أن العدل بين الناس من الأعمال الزاكية عند الله المرجو قبولها ، وسميت طاعة الله من صلاة وغيرها صدقة ; لأنه كان لله أن يفترض على عباده ما شاء من الأعمال دون أجر يأجرهم عليها ، ولا ثواب فيها ، ولكن برحمته تفضل علينا بالأجر والثواب على ما فرضه علينا . فلما كان لأفعالنا أجر فكأننا نحن ابتدأنا بالعمل واستحققنا الأجر ، فشابه به الصدقة المبتدأة التي عليها الأجر لازم في فضل الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية