التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2561 [ ص: 88 ] 12 - باب: إذا أشار الإمام بالصلح فأبى ، حكم عليه بالحكم البين

2708 - حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري قال : أخبرني عروة بن الزبير ، أن الزبير كان يحدث أنه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شراج من الحرة ، كانا يسقيان به كلاهما ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للزبير " اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك" . فغضب الأنصاري فقال : يا رسول الله ، أن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : "اسق ثم احبس حتى يبلغ الجدر" . فاستوعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينئذ حقه للزبير ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك أشار على الزبير برأي سعة له وللأنصاري ، فلما أحفظ الأنصاري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استوعى للزبير حقه في صريح الحكم . قال عروة : قال الزبير : والله ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم الآية [النساء : 65] . [انظر : 2360 - فتح: 5 \ 309]


ذكر فيه حديث الزبير في شراج الحرة .

وقد سلف في الشرب ، وزعم الداودي أنه ليس فيه ما بوب عليه ، إنما فيه حض الزبير على فعل المعروف .

وأما المهلب : فصوبها فقال : الترجمة صحيحة لأنه حض أولا الزبير على فعل المعروف ، فلما بدا من الأنصاري ما بدا استوعى للزبير حقه ، ولم يحمله غضبه على أكثر من أنه استوعى له حقه ، ونزل القرآن بتصديقه ، وهو قوله تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم الآية . أي : لا يؤمنون إيمانا كاملا ; لأنه لا يخرج من الإيمان بخطرة أخطرها الشيطان ونزغ بها .

[ ص: 89 ] وفيه من الفقه : أنه لا ينبغي ترك الاقتداء به في غضبه (ورضاه ) ، وجميع أحواله ، وأن يكظم المؤمن غيظه ويملك نفسه عند غضبه ، ولا يحملها على التعدي والجور ، بل يعفو ويصفح ، ومعنى : (أحفظه الأنصاري ) : يعني أغضبه بحاء مهملة .

وقوله : (فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) فالمغضب ربما احمرت وجنتاه ، أو اصفر وجهه .

ومعنى (استوعى ) : استقصى له حقه .

وقوله : (في صريح الحكم ) أي : حقيقته .

وقوله : (والله ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك فلا وربك لا يؤمنون [النساء : 65] وكان الزبير ابن صفية عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، مات سنة ست وثلاثين ، شهيدا يوم الجمل ، وهو حواري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن عمته ، وأول من سل سيفا في سبيل الله وراويه عن الزبير عروة بن الزبير ، أبو عبد الله الفقيه العالم المثبت المأمون ، كثير الحديث ، كان يصوم الدهر ، مات وهو صائم سنة ثلاث أو أربع وتسعين ، رد وهو ابن ست عشرة من خروجه إلى العراق ، فلم يدخل في شيء من الحرب حتى مات . قال ابنه هشام : كان يعرضنا الحديث -يعني بنيه- فكان يعجب من حفظي ، وما كان يعلمنا منه حرفا من ألفي حرف من حديثه ، وكان يتألف الناس على حديثه ، وأصابت رجله الأكلة فسقطت في مجلس الوليد من حد الركبة ، فأخرجها لمن حسمها أي : قطع عنها الدم بالكي ، وما شعر الوليد ، وما ترك حزبه تلك الليلة . أتاه أهل الحديث معتقدين على غير ما كانوا يأتونه ، وذكروا عذرهم له ، فقال : ما للصراع تريدونني .

[ ص: 90 ] ولما قتل أخوه عبد الله استقصيت أموالهم ، فمضى إلى عبد الملك ، وقال له : الآن أيقنت بالهلاك فردها إليه ، وهو أحد المشيخة السبعة بالمدينة ، وكان دعاء ، فمات له ولد ، فكان يقول في دعائه : كانوا أربعة فأخذت واحدا وتركت ثلاثة ، وكانوا أربعا فأخذت واحدة وأبقيت ثلاثا . يعني : يديه ورجليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية