التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2566 2715 - حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن إسماعيل قال : حدثني قيس بن أبي حازم ، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والنصح لكل مسلم . [انظر : 57 - مسلم: 56 - فتح: 5 \ 312]


ذكر فيه حديث الزهري : أخبرني عروة بن الزبير أنه سمع مروان ، والمسور بن مخرمة يخبران عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ كان فيما اشترط سهيل بن عمرو على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا . . الحديث بطوله .

وحديث جابر : بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - فاشترط علي : "والنصح لكل مسلم " . وفي لفظ : على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والنصح لكل مسلم . وهذا سلف آخر باب الإيمان .

[ ص: 101 ] وحديث مروان والمسور سلف أيضا ولم يعينا من رويا عنه ، ولا يضر ; لأن الصحابة كلهم عدول بخلاف من أبهم بعدهم ، وهما لم يحضرا هذه الغزوة لصغر سنهما ; لأنهما ولدا بعد الهجرة بسنتين ، وأما ابن طاهر فقال : الحديث معلول أي : من جهة الإرسال وليس بعلة ; لأنه مرسل صحابي .

وقوله : (وامتعضوا ) قال القزاز : لا أصل لهذا من كلام العرب ، وأحسبه : فكرهوا ذلك وامتعضوا منه أي : شق عليهم . قال : فإن كان هذا الحرف كتب بالضاد وهو بالظاء ، وكان واتعظوا منه كان غير صواب أيضا ; لأنه لا يوافي الذي قبله من الكراهة ، ومعضوا وامتعضوا أشبه ، وفي رواية أبي ذر وغيره : وامتعضوا ، كما ذكر القزاز ، وإنما كره الصحابة ذلك ; لأنهم كانوا مستظهرين ، واشترط الكفار عليهم شروطا فيها بعض التحكم ، وكان أشدهم في ذلك كراهية عمر .

وقوله : (وهي عاتق ) أي : بكر . قال ابن دريد : عتقت الجارية أي : صارت عاتقا ، وذلك إذا أوشكت البلوغ . وقد تقدم تفسير العواتق في أبواب صلاة العيد .

وقوله : مهاجرات هو مثل : مغاضبات ، ومراغمات أي : فعلن ذلك ; لاختلاف الدينين معاداة لقومهن .

وقال الأزهري : أصل المهاجرة عند العرب خروج البدوي من البادية إلى المدن . يقال : هاجر البدوي إذا حضر القرى وأقام بها .

[ ص: 102 ] وقوله : ( فامتحنوهن ) ، وقول عائشة : كان يمتحنهن بهذه الآية : يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات [الممتحنة : 10] إلى آخرها .

وعن ابن عباس : كانت المرأة إذا أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحلفها : بالله ما خرجت من بغض زوج ؟ بالله ما خرجت رغبة بأرض عن أرض ؟ بالله ما خرجت التماس دنيا ، بالله ما خرجت إلا حبا لله ولرسوله ؟

والمحبة على قول عائشة أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن الآية [الممتحنة : 12] .

ومعنى يفترينه بين أيديهن وأرجلهن [الممتحنة : 12] : لا يأتين بولد ليس من أزواجهن فينسبنه إليهم ، وقيل : ما كان من جنسه أو قبله ، أو أكل حرام ، وقيل : بين أيديهن : ألسنهن ، وبين أرجلهن : فروجهن . وقيل : هو توكيد مثل فبما كسبت أيديكم [الشورى : 30] .

وقوله : ( ولا يعصينك في معروف [الممتحنة : 12] قيل : هذا في النوح ، وقيل : لا يخلون بغير ذي محرم ، وقيل : في كل حق معروف لله تعالى .

وقوله : ( لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن [الممتحنة : 10] قيل : يعني : المسلمين وكفار مكة إنما أنزلت في قوم من الكفار ، وبين الله تعالى ذلك بقوله : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم [المائدة : 5] ، ولا شك أن الشروط الجائزة في الإسلام والأحكام هي الشروط الموافقة لكتاب الله وسنة رسوله ، وشروط المبايعة هي شروط التزام الفرائض ، والنصيحة

[ ص: 103 ] للمؤمنين ، وما في آية الممتحنة مما ألزمه الله -عز وجل- المؤمنات في الآية : ولا يسرقن ولا يزنين إلى آخر الآية .

واختلف العلماء في صلح المشركين على أن يرد إليهم من جاء منهم مسلما :

فقال قوم : لا يجوز هذا . وهو منسوخ -وقد سلف- لقوله - عليه السلام - : "أنا بريء من كل مسلم أقام مع مشرك في دار الحرب لا تتراءى ناراهما"

قالوا : فهذا ناسخ لرد المسلمين إلى المشركين إذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد برئ ممن أقام معهم في دار الحرب . وأجمع المسلمون أن هجرة دار الحرب فريضة على الرجال والنساء ، وذلك الذي بقي من فرض الهجرة . هذا قول الكوفيين وقول أصحاب مالك .

وذكر ابن حبيب ، عن ابن الماجشون قال : إذا اشترط أهل الحرب في الرد رد من أسلم منهم لم ينبغ أن يعطوا ذلك . فإن جهل معظمهم ذلك لم يوف لهم الشرط ; لأنه خلاف سنة الإمام وفيه إباحة حرمته .

وقال الشافعي : هذا الحكم في الرجال غير منسوخ ، وليس لأحد هذا العهد إلا للخليفة ، أو لرجل غيره ممن عهده غير الخليفة فهو مردود ، وقد أسلفنا ذلك أيضا ، وقول الشافعي : وهذا الحكم في الرجال غير منسوخ ، يدل أن مذهبه في النساء منسوخ ، وحجته في حديث مروان والمسور قوله : وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجاء أهلها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألونه أن يرجعها إليهم ، فلم يرجعها لما أنزل فيهن ، ورد أبا جندل .

[ ص: 104 ] وذكر معمر ، عن الزهري قال : نزلت الآية على رسول الله وهو بأسفل الحديبية ، وكان صالحهم على أن من آتاه منهم رده إليهم ، فلما جاء النساء نزلت عليه الآية وأمره أن يرد الصداق إلى أزواجهن . فحكم - عليه السلام - في النساء بحكم الله في القرآن ، وبين المعنى في ذلك بقوله تعالى لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن [الممتحنة : 10] ، فأخبر تعالى أن وطء المؤمنات حرام على الكفار ; فلذلك لم يرد إليهم النساء ، وقد روي في هذا الحديث ما يدل أن الشرط إنما وقع في صلح أهل مكة ، أن يرد الرجال خاصة ولم يقع على النساء ، وهو قول سهيل : (وعلى أن لا يأتيك منا رجل إلا رددته إلينا ) فلم يدخل في ذلك النساء ، ذكره البخاري في باب الشروط في الجهاد .

وذكر ابن الطلاع ، عن المفضل : أن يوم الحديبية جاءت سبيعة الأسلمية من مكة مسلمة فأقبل زوجها في طلبها ، وقال : يا محمد ، رد علي امرأتي ، فأنزل الله الآية . فلما استحلفها - عليه السلام - رد على زوجها مهرها ، والذي أنفق عليها ، ولم يردها عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية