التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
239 [ ص: 516 ] 71 - باب: لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر

وكرهه الحسن وأبو العالية. وقال عطاء: التيمم أحب إلي من الوضوء بالنبيذ واللبن. [فتح: 1 \ 353]

242 - حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل شراب أسكر فهو حرام". [5585، 5586 - مسلم: 2001 - فتح: 1 \ 354]


قال البخاري: وكرهه الحسن وأبو العالية. وقال عطاء: التيمم أحب إلي من الوضوء بالنبيذ واللبن.

أما أثر الحسن فرواه عبد الرزاق في "مصنفه"، عن الثوري، عن إسماعيل بن مسلم - يعني: المكي- عن الحسن قال: لا توضأ بلبن ولا نبيذ.

وأما أثر أبي العالية: وهو رفيع بن مهران فرواه ابن أبي شيبة، عن مروان بن معاوية، عن أبي خلدة، عنه أنه كره أن يغتسل بالنبيذ.

ورواه الدارقطني في "سننه" بإسناد جيد عن أبي خلدة، قلت لأبي العالية: رجل ليس عنده ماء وعنده نبيذ، يغتسل به من الجنابة؟ قال: لا. فذكرت له ليلة الجن، فقال: أنبذتكم هذه الخبيثة، إنما كان زبيبا.

وذكر أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: ركبت في البحر مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففني ماؤهم، فكرهوا الوضوء من ماء البحر، فتوضئوا بالنبيذ، وحكاه ابن حزم عن بعضهم [ ص: 517 ] ولم يسمه، قال: وهو مخالف لفعل أصحابهم; لأنهم لا يجيزون الوضوء بالنبيذ ما دام يوجد ماء البحر، وقال الداودي في "شرحه" في قول الحسن وأبي العالية، لو ذكرا أنه التيمم قالا بالتحريم، وما كان حراما فهو نجس.

وعطاء - السالف- هو ابن أبي رباح.

صرح به ابن حزم حيث قال: لا يجوز الوضوء بغير الماء، وهذا قول مالك والشافعي وأحمد وداود وغيرهم، وقال به الحسن وعطاء بن أبي رباح والثوري وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور وغيرهم.

وعن أبي حنيفة ثلاث روايات، حكاها عنه الرازي في "أحكامه" وأشهرها: يتوضأ به، ويشترط فيه النية، ولا يتيمم، قال قاضي خان: هي قوله الأول، وبها قال زفر.

والثانية: يتيمم ولا يتوضأ، رواها عنه جماعة، قال قاضي خان: وهي الصحيحة عنه وقوله الآخر والذي رجع إليها، وبها قال أبو يوسف وأكثر العلماء واختيار الطحاوي.

والثالثة: روي عنه الجمع بينهما، وهذا قول محمد، فقيل: استحبابا، وقيل: وجوبا.

[ ص: 518 ] وعنه رواية رابعة: في جوازه بالمطبوخ منه في السفر إذا عدم فيه الماء، وعن الأوزاعي الوضوء بكل نبيذ، وحكى الترمذي عن سفيان الوضوء بالنبيذ.

ونقل ابن بطال إجماع العلماء على أنه لا يتوضأ به مع وجود الماء؛ لأنه ليس بماء، قال: فلما كان خارجا من حكم المياه في حال وجود الماء كان خارجا من حكمها في حال عدمه، وقد سلف عن ابن حزم ذلك أيضا.

واستدل للرواية الأولى بحديث أبي فزارة، عن أبي زيد، عن عبد الله بن مسعود قال: سألني النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن: "ما في إداوتك؟ " قلت: نبيذ، قال: "ثمرة طيبة وماء طهور"

وفي لفظ: "فتوضأ به، وصلى الفجر". رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه. قال الترمذي: إنما روي عن أبي زيد، عن عبد الله مرفوعا. وأبو زيد رجل مجهول، لا يعرف له رواية غير هذا الحديث، هذا كلامه.

وقد أعل بوجوه: أحدها: جهالة أبي زيد هذا، وتشكك شريك فيه، حيث قال: أبو زيد أو زيد. قال ابن أبي حاتم في "علله": سمعت أبا زرعة يقول: أبو زيد رجل مجهول.

[ ص: 519 ] وذكر ذلك ابن عدي، عن البخاري، وزاد: لا يعرف بصحبة ابن مسعود، وكذا نص على جهالته غير [واحد] وإن قال ابن العربي: إنه عمرو بن حريث، وعنه: راشد بن كيسان وأبو روق.

وأما أبو فزارة الراوي عنه: فهو راشد بن كيسان، روى عنه جماعة، وهو ثقة. وقيل: إنهما اثنان. وراوي هذا الحديث مجهول، ليس هو ابن كيسان. قال أحمد: أبو فزارة راوي هذا الحديث رجل مجهول، وذكر البخاري أبا فزارة العبسي، راشد بن كيسان، وأبا فزارة العبسي غير مسمى، فجعلهما اثنين.

ورواه عن عبد الله جماعات غير أبي زيد متكلم في أكثرهم، ولقد أنصف الطحاوي الذاب عنهم، فقال في أول كتابه: إنما ذهب أبو حنيفة ومحمد إلى الوضوء بالنبيذ; اعتمادا على حديث ابن مسعود، ولا أصل له، ولا معنى لتطويل كتابي بشيء منه.

الثاني: أن عبد الله ما شهد ليلة الجن، كما جاء في "صحيح [ ص: 520 ] مسلم" من قول علقمة عنه، وإن كان شهد أولها واستوقفه وبعد عنه ثم عاد إليه.

الثالث: أنه منسوخ على تقدير صحته; لأنه كان بمكة، ونزول آية التيمم بالمدينة، وفيه نظر.

الرابع: أنه مخالف للأصول، فلا يحتج به عندهم.

الخامس: أنهم شرطوا لصحة الوضوء به السفر، والشارع إنما كان في شعاب مكة، كما ثبت في "صحيح مسلم".

السادس: أن المراد بالنبيذ: ما نبذت فيه تمرات، لتعذب، ولم يكن متغيرا، وقد وصفه صلى الله عليه وسلم بأنه طهور، ثم هذا إذا لم يشتد ولم يسكر، فإن اشتد حرم شربه، فكيف الوضوء به؟ كما صرح به في "المبسوط" عندهم، فإن كان مطبوخا فالصحيح عندهم أنه لا يتوضأ به.

وقال صاحب "المفيد": إذا ألقي فيه تمرات فحلا ولم يزل عنه اسم الماء وهو رقيق يجوز الوضوء به، بلا خلاف بين أصحابنا، ولا يجوز الاغتسال به، خلاف ما في "المبسوط" من جوازه، ووجه الأول أن الجنابة أغلظ الحدثين، والضرورة فيه دون الوضوء، فلا يقاس عليه.

وقال الكرخي: المطبوخ أدنى طبخة يجوز الوضوء به، حلوا كان أو مسكرا، إلا عند محمد في المسكر.

وقال أبو طاهر الدباس: لا يجوز، وصححه في "المحيط"، كمرق الباقلاء.

[ ص: 521 ] ثم قال البخاري رحمه الله: حدثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان، ثنا الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل شراب أسكر فهو حرام".

هذا حديث متفق على صحته، أخرجه البخاري هنا، وفي الأشربة، وأخرجه مسلم والأربعة هناك.

وسفيان هذا هو ابن عيينة.

وعلي هو ابن المديني.

وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف.

ووجه إيراد البخاري هذا الحديث هنا، أن المسكر واجب الاجتناب; لنجاسته، حرام استعماله في كل حال، ومن جملة ذلك الوضوء، وما يحرم شربه يحرم الوضوء به; لخروجه عن اسم الماء لغة وشرعا، وكذلك النبيذ أيضا غير المسكر هو في معنى المسكر من جهة أنه لا يقع عليه اسم الماء، ولو جاز أن يسمى النبيذ ماء; لأن فيه ماء جاز أن يسمى الخل ماء؛ لأن فيه ماء.

وفيه أيضا تصريح بتحريم جميع ما أسكر سواء أكان خمرا أو نبيذا، وأكثر العلماء على تسمية جميع الأنبذة خمرا، لكن قال أكثرهم: هو مجاز، وهو حقيقة في عصير العنب. وقال جماعة: هو حقيقة لظاهر الأحاديث الواردة في ذلك، وسيأتي إيضاح ذلك في كتاب الأشربة، إن قدر الله الوصول إليه، اللهم افعله.

التالي السابق


الخدمات العلمية