التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2585 [ ص: 158 ] 18 - باب: ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار

والشروط التي يتعارفها الناس بينهم ، وإذا قال : مائة إلا واحدة أو ثنتين . وقال ابن عون عن ابن سيرين : قال رجل لكريه : أدخل ركابك ، فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا ، فلك مائة درهم . فلم يخرج ، فقال شريح من شرط على نفسه طائعا غير مكره فهو عليه . وقال أيوب ، عن ابن سيرين : إن رجلا باع طعاما وقال : إن لم آتك الأربعاء فليس بيني وبينك بيع . فلم يجئ ، فقال شريح للمشتري : أنت أخلفت . فقضى عليه .

2736 - حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، حدثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن لله تسعة وتسعين اسما ، مائة إلا واحدا ، من أحصاها دخل الجنة" . [6410 ، 7392 - مسلم: 2677 - فتح: 5 \ 354]


وقال ابن عون ، عن ابن سيرين : قال رجل لكريه : أدخل ركابك ، فإن لم (أرحل ) معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم . فلم يخرج ، قال شريح : من شرط على نفسه طائعا غير مكره فهو عليه . وقال أيوب ، عن ابن سيرين : إن رجلا باع طعاما وقال : إن لم آتك الأربعاء فليس بيني وبينك بيع . فلم يجئ ، فقال شريح للمشتري : أنت أخلفت . فقضى عليه .

ثم ساق حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن لله تسعة وتسعين اسما ، مائة إلا واحدا ، من أحصاها دخل الجنة" .

[ ص: 159 ] الشرح :

وقع في بعض النسخ باب ما لا يجوز . . إلى آخره بإثبات (لا ) ، والصواب : حذفها كما أوردناه ، وكذا هو ثابت في رواية أبي ذر وغيره ، وحديث أبي هريرة يشهد له . وما ذكره عن ابن سيرين من الحظر للنهي عنه ، ومن أكل أموال الناس بالباطل ، ولا يجوز اشتراط ذلك عند أكثر العلماء وقضى به شريح ; لأنه من طريق العدة والتطوع ، ومن تطوع بشيء يستحب له إنجازه وإنفاذه ، إلا أن جمهور الفقهاء لا يقضون بوجوب العدة وإنما يستحبون الوفاء بها ، وعادة المكارين يخرجون إبلهم إلى المراعي ويتواعدون في الرحيل ، فربما حصل لبعض من كاراه مانع فيتضرر بالعلف فيقول : إن لم أرحل معك يوم كذا ، فلك كذا تعلف به إبلك .

والأثر الثاني : قال الداودي : قال بعض أصحابنا : ولا أعلم ما يمنع منه .

وقال مالك : البيع جائز والشرط باطل .

وقال بعض أصحابنا : هو بيع فاسد .

وقال آخر : إن ضربا من الأجل ما يجوز أن يضرب في مثل تلك السلعة للخيار جاز ، وإلا لم يجز .

وقال ابن بطال : اختلف العلماء في جواز ذلك ; فقال ابن الماجشون : الشرط والبيع جائزان ، وحمله محمل بيع الخيار إلى وقت مسمى ، فإذا جاز الوقت فلا خيار له ، ويبطل البيع ، ومصيبته قبل ذلك من البائع ، كان ذلك بيده أو بيد المبتاع على سنة بيع الخيار ، وممن أجازهما هنا الثوري وأحمد وإسحاق وقال أبو حنيفة : إن كان الأجل ثلاثة أيام فالبيع جائز . وقال محمد بن الحسن : يجوز الأجل أربعة أيام وعشرة أيام .

[ ص: 160 ] وقال مالك في "المدونة" : من باع سلعة وشرط إن لم ينقده المشتري إلى أجل فلا بيع بينهما . فهذا بيع مكروه ; فإن وقع ثبت البيع وبطل الشرط ، ومصيبة السلعة من البائع حتى يقبضها المشتري .

وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم أيضا وأخرجه ابن ماجه من هذا الوجه أيضا ، وسرد الأسماء ، ولفظه : "إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا ، إنه وتر ، من حفظها دخل الجنة" ثم ذكرها . وقال في آخره : قال زهير : فبلغنا عن غير واحد من أهل العلم أن أولها يفتح بقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله له الأسماء الحسنى .

وأخرجه الترمذي أيضا ، وسرد الأسماء ، ثم قال : غريب ، وقد روي من غير وجه ، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . ولا نعلم في كثير من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث ، وقد روى آدم بن أبي إياس هذا الحديث بإسناد غير هذا ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس له إسناد صحيح .

وخرجه الحاكم من طريق الترمذي ثم قال : هذا حديث قد خرجاه في الصحيحين بأسانيد صحيحة دون ذكر الأسامي فيه ، والعلة فيه عندهما : أن الوليد بن مسلم تفرد به كذلك ، ولم يذكرها غيره ، وليس هذا بعلة فإني لا أعلم خلافا بين أئمة الحديث ، أن الوليد أوثق

[ ص: 161 ] وأحفظ وأعلم من أبي اليمان وبشر بن شعيب وعلي بن عياش ، وأقرانهم من أصحاب شعيب ، ثم برهن لما ذكره . وأخرجه ابن حبان أيضا في "صحيحه" .

إذا تقرر ذلك ; فالكلام عليه من أوجه :

أحدها :

ليس فيه نفي غير هذه الأسماء وذكرت هذه لشهرتها كما نبه عليه البيهقي في "الأسماء والصفات" .

وأما ابن حزم فزعم أن من زاد شيئا في الأسماء عن التسعة والتسعين فقد ألحد في أسمائه ; لأنه قال : "مائة إلا واحد " فلو جاز أن يكون له اسم زائد ، لكانت مائة . وذكر بعض المتصوفة أن لله ألف اسم كما أن لرسوله مثلها .

ثانيها :

معنى : "أحصاها" : حفظها كما سلف ، وقيل : عدها ، فلا يقتصر على بعضها ، وقيل : أطاقها بحسن المراعاة لها ، وحفظ حدودها في معاملة الرب تعالى بها ، وقيل معناه : عرفها وعقل معانيها وآمن بها .

وقال الزجاج : "من أحصاها" . يريد بها توحيد الله تعالى وإعظامه ، وقال ابن الجوزي : لعل المراد من قرأ القرآن حتى يختمه ، فمن حفظه إذن دخل الجنة ; لأن جميع الأسماء فيه .

[ ص: 162 ] ثالثها :

أسماؤه تعالى منقسمة بين عقائد خمس -نبه عليها الحليمي- : إثبات الباري ; ليقع به مفارقة التعطيل ووحدانيته ; ليقع بها البراءة من الشرك ، وأنه ليس بجوهر ولا عرض ; ليقع به البراءة من التشبيه . وأن وجود كل ما سواه كان من قبل إبداعه واختراعه إياه ; لتقع البراءة من قول من يقول بالعلة والمعلول . وأنه مدبر ما أبدع ومصرفه على ما يشاء ; لتقع به البراءة من قول من قال بالطبائع أو بتدبير الكواكب أو الملائكة .

رابعها :

قوله : ("مائة إلا واحدا" ) هو تأكيد للجملة الأولى ; ليرفع به وهم من يتوهم في النطق أو الكتابة .

و ("مائة" ) : منصوب بدلا من ("تسعة وتسعين" ) .

("من أحصاها" ) : خبر وهي المقصودة لعينها ، والجملة الأولى مقصودة لها ; لأنها تحصر الأسماء فيما ذكر .

خامسها :

الحديث نص على جواز استثناء القليل من الكثير ، ولا خلاف في جوازه بين أهل اللغة والفقه والغريب ، قال الداودي : وأجمعوا أن من استثنى في إقراره ما بقي بعده بقية ، ما أقر به أن له ثنياه ; فإذا قال

[ ص: 163 ] له : علي ألف إلا تسعمائة وتسعة وتسعين صح ولزمه واحد قال : وكذلك لو قال : أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين لقوله تعالى : فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما [العنكبوت : 14] .

قال ابن التين : وهذا الذي ذكره الداودي أنه إجماع ليس كذلك ، ولكن هو مشهور مذهب مالك .

وقد ذكر الشيخ أبو الحسن قولا ثالثا في قوله : أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين أنه يلزمه الثلاث .

وذكر القاضي في "معونته" عن عبد الملك وغيره أنه يقول : لا يصح الاستثناء الأكثر .

واحتجاج الداودي بهذه الآية غير بين ، وإنما الحجة في ذلك قوله تعالى : إلا من اتبعك من الغاوين [الحجر : 42] وقوله : إلا عباد الله المخلصين [الحجر : 40] فإن جعلت المخلصين أكثرهم فقد استثناهم ، وإن جعلت الغاوين الأكثر فقد استثناهم أيضا .

والخلاف شهير في استثناء الكثير من القليل ، وهو مذهب الفقهاء وأهل اللغة من أهل الكوفة ، وأنشد الفراء منه :


أدوا التي نقضت تسعين من مائة ثم ابعثوا حكما بالعدل حكاما



فاستثنى تسعين من مائة ; ولأن الاستثناء إخراج فإذا جاز إخراج الأقل جاز إخراج الأكثر .

ومذهب البصريين من أهل اللغة وابن الماجشون المنع فيه ، وإليه ذهب البخاري حيث أدخل هذا الحديث هنا فاستثنى القليل من الكثير .

واحتج ابن قتيبة بأن تأسيس الاستثناء على تدارك قليل من كثير أغفله لقلته ثم تداركه بالاستثناء ، فلأن الشيء قد ينقص نقصانا يسيرا ، فلا يزول

[ ص: 164 ] عنه اسم الشيء بنقصان القليل ; فإذا نقص أكثره زال عنه الاسم ، ألا ترى أنك لو قلت : صمت هذا الشهر إلا تسعة وعشرين يوما أحال ; لأنه صام يوما واليوم لا يسمى شهرا .

ومما يزيد في وضوح هذا ، أنه يجوز لك أن تقول : صمت الشهر كله إلا يوما واحدا فيؤكد الشهر وتستقصي عده بكل ، ولا يجوز : صمت الشهر كله إلا تسعة وعشرين يوما ، وتقول : لقيت القوم جميعا إلا واحدا أو اثنين ، ولا يجوز أن تقول : القوم جميعا إلا أكثرهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية